يشغل هاجس الغالبية العظمى من السعوديين قضية تأمين المسكن,ولايرضيهم في خضم هذا اللهاث,سوى التربع على مساحات كبيرة, ترهق في شغلها مستقبلاً, وأمام هذا التحدي,نجد أن مساحات المنازل في الدول الغربية لاتتعدى 200 متر, واعتاد السعوديون على قضية اللجوء للاقتراض من البنوك لغايات أساسية وأخرى كمالية وهامشية, وسجلت مؤسسة النقد أن حجم القروض خلال الربع الثاني من 2010م قد قفز الى 195 مليار, ولأهمية القضية من ناحية اجتماعية ولارتباطها الوثيق بالقضية العمرانية, ولكونها تشكل عبئاً فقد تناولها المستشار الدكتور مهندس خالد بن عبدالعزيز الطياش وقد استهل حديثه قائلاً: السعوديون يقترضون 195 مليار ريال خلال ثلاثة أشهر 30% منها ذهبت للسيارات والعقارات عندما دعا خادم الحرمين الشريفين بأن يطيل الله في عمر البترول كان ينظر بذلك بعمق بعيد المدى واستقراء لمستقبل السنين القادمة ، صدر ذلك من قبل رأس الهرم في بلادنا لذا فالموضوع بالغ الاهمية، فقد يكون البترول هو المادة الاساس الذي ندعو له بطول العمر لاعتمادنا بعد الله عليه في اقتصادنا ، وقد تكون دعوة الملك هي إشارة تنبيه للتفكير والتمعن بمستقبل الوطن من قائد البلاد بشكل عام وشامل لكل أفراد المجتمع ، لكن ما هو دور المواطن العادي في تفعيل هذا التوجيه وكيف يكون انعكاس تلك الاشارة الصادرة عن الرجل الاول على طريقة تفكيرنا وأسلوب حياتنا لقد كان لصدى كلمات الملك عمق كبير يمس مستقبل بلادنا بالمقام الاول ويتدرج نزولا الى مستوى الفرد العادي ، وهي همسة تعيد الى أذهان كافة افراد المجتمع بأن دوام الحال من المحال والنفط مادة طبيعية تكونت تحت طبقات الارض عبر ملايين السنين لا نعلم على وجه التحديد ومهما اجتهدت التقديرات عن حقيقة حجمها ومقدار الباقي منها لم يستخرج بعد ، وكأي مادة طبيعية على وجه الارض مصيرها الى النفاد والنضوب وقد يستغرق ذلك اياما معدودة وقد تمتد الى مئات السنين لكن المعطيات على ارض الواقع ونتيجة للاستهلاك الجائر لهذه المادة من الدول الصناعية بالذات ولعدم وجود بدائل عملية ورخيصة للطاقه يجعلنا غير متفائلين بعمر طويل للنفط لنرجع الى الوراء قليلا قبل ظهور النفط في ارضنا، كيف كان وضعنا واسلوب حياتنا على مستوى الدولة والمجتمع والفرد ولننظر الى واقعنا اليوم ووضعنا واسلوب حياتنا الحاضر ومابين هذه وتلك يكمن مقدار ما كبلتنا به الحياة الحديثة من أحمال وما حجم الاحتياجات والمتطلبات الضرورية وغير الضرورية التي نحملها ماديا ومعنويا لكي نعيش ، فبقدر مافي حياتنا اليوم من رفاهية وسبل متعددة للراحة الا أن هّم تملكها واقتناءها أفقدنا البساطة والسعادة والاحساس بالحياة والشعور الفطري بالانسانية ، هذه حال كافة المجتمعات اذا تحولت الى مجتمعات مادية واستهلاكية ، ولو تعمقنا في التفكير قليلا الى البعد المستقبلي لابنائنا واحفادنا وكيف يكون وضعهم في ظل نضوب النفط ، العمود الفقري لاقتصاد بلادنا ونحن نحملهم ارث واقع حياتنا الحاضرة بمتطلباتها واحتياجاتها المكلفة وغير المبررة والتي فرضناها نحن بإرادتنا على انفسنا ، لوجدنا أننا أمام مستقبل يلفه الغموض ويغلفه القلق على تلك الجيال وكيف لها أن تعيش ؟ هناك ظاهرتان يعيشهما معظم افراد المجتمع السعودي في وقتنا الحاضر تتعلقان بأسلوب وطريقة وتخطيط حياتهم ، إحدى تلك الظاهرتين تتعلق بالمنزل والاخرى تتعلق بالاندفاع الهائل نحو الاقتراض من البنوك لاشياء كمالية وهامشية ، ففي مجال المنزل للمواطن السعودي نجد اغلب المواطنين يحرصون على المساحات الكبيرة لمنازلهم حتى لوكانت معظم التكلفة من الديون ودخل الاسرة بالكاد يفي بالمتطلبات الاساسية للحياة الا أن تأثير نظرة المجتمع للفرد لها أثر سلبي على قراراته ومايقتنيه لذا فهو يحرص على كبر مساحة مسكنه مهما كلفه ذلك ، واكبر مثال على ذلك مساكن ذوي الدخل المحدود ، فكيف يصنف على أنه من ذوي الدخل المحدود ومساحة مسكنه اربعمائة متر مربع، واذا كان كذلك أي أن دخله بالفعل محدود فكيف يكون قادرا بدخله المحدود على شغل مسكنه ومايحتاجه من تكييف وكهرباء وصيانة ؟ حتما سوف يكون مسكنه عبئًا عليه طوال حياته ، وقياسا على مساكن ذوي الدخل المحدود نجد الكثير من الاسر خارج نطاق هذا التصنيف قد وقعت بنفس المشكلة ، ولمقارنة مساحات المنازل لدينا بمنازل العالم من حولنا اورد هذه المعلومة التي صدرت قريبا ففي تقرير لكومنولث ( بنك اوف استراليا ) ان استراليا تفوقت على الولاياتالمتحدةالامريكية معقل المنازل الكبيرة بامتلاكها اكبر المنازل في العالم واظهر بحث أجراه ذراع الوساطه للبنك ( كومسيك ) ان المنزل الاسترالي زاد في المتوسط بنسبة 10% في العقد الماضي ليصل الى ( 214,6 مترا مربعا ) أي نحو ثلاثة أمثال متوسط المنزل البريطاني وعلى النقيض من ذلك فإن متوسط حجم المنازل الجديدة التي بدأت في الولاياتالمتحدةالامريكية في سبتمبر كان (201,5 متر مربع ) بانخفاض من (212مترا مربعا ) مع انخفاض متوسط المنزل الاميركي للمرة الاولى منذ عشر سنوات بسبب الركود ، وفي أوروبا جاءت الدنمارك بأكبر المنازل مع الوضع في الاعتبار المنازل والشقق بمتوسط مساحة أرضية (137 مترا مربعا ) تليها اليونان بمساحة (126 مترا مربعا ) وهولندا بمساحة (115,5مترا مربعا ) والمنازل في بريطانيا هي الاصغر في اوروبا حيث تبلغ (76 مترا مربعا ) ولكن وفقا لبيانات من المكتب الاسترالي للأحصاء اصدرها ( كومسيك ) وفي الوقت الذي تكبر فيه المنازل الاسترالية تكبر كذلك الاسر حيث ارتفع عدد الاشخاص في كل اسرة الى2,56 من 2,51 في اول زيادة من هذا القبيل في ما لايقل عن 100 عام ، هذه منازلهم وتلك منازلنا. الظاهرة الأخرى تتعلق بالاندفاع الهائل من قبل الغالبية العظمى من المواطنين للاقتراض من البنوك فقد نجحت البنوك بإغراء أفراد المجتمع بكافة شرائحه بتقديمها للقروض الاستهلاكية بسهولة مما كان له الاثر السلبي في إنفاق الأموال على سلع كمالية وغير ضرورية تندرج معظمها تحت بند الاحتياجات والمتطلبات الهامشية حيث أدى التوسع في ذلك الى وضع الكثير من أفراد المجتمع في مشاكل مادية وقضائية مع البنوك لعدم تسديد ديونهم وتراكم الأقساط عليهم مما يصعب معه تسديدها ، الأمر الذي ساهم الى ان اصبح معظم افراد المجتمع يعد مدينا للبنوك ، فلقد اظهرت بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي للربع الثاني لعام 2010 م وصول إجمالي القروض الاستهلاكية التي قدمتها البنوك في المملكة للمواطنين الأفراد الى اعلى مستوى لها منذ عام 2005م وزاد الطلب على القروض الاستهلاكية في الاشهر الستة الاولى من هذا العام حيث اظهرت بيانات مؤسسة النقد (ساما) للربع الثاني من عام 2010م ان المواطنين السعودين اقترضوا ماقيمته 195 مليار ريال بزيادة ثمانية مليارات عن الربع الاول من العام الجاري وبزيادة تصل الى (9,8% )عن ماتم تقديمه من قروض استهلاكية خلال نفس الربع من العام الماضي وذهب 61 مليار ريال اي مايقارب من (30% ) من القروض الاستهلاكية لشراء السيارات والعقارات الا أن الانفاق على شراء السيارات كان أكبر من الانفاق على شراء العقارات إذ بلغت قروض السيارات 40 مليار ريال فيما بلغت القروض العقارية21مليار ريال وصرف حوالي ثمانية مليارات من الريالات لتسديد بطاقات الائتمان بينما ذهب اكثر من 128 مليار ريال للصرف في مجالات اخرى مختلفه وهي التي تشكل (70% ) من اجمالي قيمة القروض ، نظرة على تلك الارقام والتي تعادل ميزانية عدة دول من دول العالم الثالث يعد امرا مثيرا للقلق فالمجتمع ينجر وبقوة الى الاقتراض رغم ارتفاع الفوائد البنكية لاشياء معظمها كمالية والبنوك هي المستفيد الاكبر من ذلك الوضع وبالمقابل لم تقدم تلك البنوك لا للوطن ولا للمواطن ما يساعد على تخفيف تكاليف الحياة عليه سواء في مجال الاسكان او الاقراض او توفير فرص العمل للمواطنين رغم التسهيلات الكبيرة واللا محدودة التي تلقاها البنوك من قبل الدولة قياسا بغيرنا من الدول . هناك أمور كثيرة في مجتمعنا تحتاج الى تقنين وتفكير حقيقي بمستقبل القادم من الايام فدوام الحال من المحال ولأبنائنا وللأجيال القادمة حق مادي وحق فكري وحق معنوي علينا ، نورثه لهم كي ينير لهم دروب الحياة ويسهل عليهم كيف يعيشونها .