الكتاب بحسب وصف مترجمه الدكتور غازي القصيبي يجيب على سؤال: لماذا يصبح الإرهابي إرهابياً؟.. هذا السؤال الذي بدأ يشغل العالم منذ عقود، ودارت حوله الكثير من المناقشات، وخضع بدوره لمئات بل ربما آلاف التحليلات والتفسيرات المتضاربة، والنتيجة النهائية لم تظهر بعد! بل هي غير موجودة، وكل ما نملكه عبارة عن مجموعة من المقاربات لظاهرة عالمية، تتداخل في تكوينها عوامل ومتغيرات عدة. يتطرق إيريك هوفر في كتابه «المؤمن الصادق: أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية» إلى دراسة الحركات الجماهيرية أكانت قومية أو دينية أو اجتماعية. ويتطرق تحديداً إلى جانب التشابه في تلك الحركات، انطلاقا من الواقع المحبط للجماهير، وتعلقها ب»المؤمن الصادق» الذي يتبنى أفكاراً ويقدسها، ويكون على استعداد تام للتضحية من أجلها، بغض النظر عن طبيعة هذه الأفكار. ويرى هوفر أن جميع الحركات الجماهيرية «تولد التطرف والحماسة والأمل المتقد والكراهية وعدم التسامح، وجميعها قادرة على تفجير طاقات قوية من الحراك في بعض مناحي الحياة، وجميعها تتطلب الإيمان الأعمى والولاء المطلق». يقول الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، أن دافعه لترجمة الكتاب هو إجابته «جواباً شافياً» عن سؤال شغله هو شخصياً .. «لماذا يصبح الإرهابي إرهابياً ؟». يقول القصيبي في مقدمته: لا توجد كتابات تضيء عقل الإرهابي من الداخل. وتتيح لنا فرصة التعرف على هذا العالم العجيب المخيف. ويشير إلى «أن الإرهاب وليد التطرف والكتاب معنّي بالتطرف: جذوره وبذوره». يؤكد المترجم على أن المعادلة التي يطرحها المؤلف «بسيطة ومقنعة» إذ يربط بين «العقل المحبط» و»الإنسان المحبط» الذي «ينسب كل مشكلاته إلى فساد عالمه» ثم يأتي الحل بالانتماء إلى «الجماعة الثورية الراديكالية التي تستغل ما ينوء به المحبط من مرارة وكراهية وحقد». ويضيف: من هذا اللقاء الحاسم بين عقلية الفرد المحبط الضائع وبين عقلية القائد الإجرامي المنظم ينشأ التطرف، ومن التطرف ينبت الإرهاب. ويرى القصيبي أن ترجمته للكتاب مقدمة لعملين، الأول يتعلق بالباحثين، لتحليل رؤية المؤلف وعرضها على واقع الإرهاب المعاصر (الكتاب صدر في خمسينيات القرن الماضي) أما الثانية فتقع على عاتق الدول العربية، للقضاء على الإحباط بين الشباب، بخلق الفرص، وبث الروح في مؤسسات المجتمع المدني. ويختم القصيبي مقدمته بقوله: بزوال الإحباط يزول التطرف، وبزوال التطرف ينتهي الإرهاب. هذا – في رأيي – هو الأسلوب الوحيد الناجع لمشكله تقض مضاجع العالم كله. ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام، وثمانية عشر فصلاً. يتحدث القسم الأول عن «جاذبية الحركات الجماهيرية» وجاءت فصوله لتتحدث عن: الرغبة في التغيير، الرغبة في بدائل، التبادلية بين الحركات الجماهيرية. في القسم الثاني من الكتاب، يتحدث المؤلف عن «الأتباع المتوقعون» فيشير إلى: دور المنبوذين في الشؤون الإنسانية، الفقراء، العاجزون عن التأقلم، الأنانيون أنانية مفرطة، الطموحون الذين يواجهون فرصاً غير محدودة، الأقليات، الملولون، مرتكبو المعاصي. أما القسم الثالث من الكتاب فيقارب «العمل الجماعي والتضحية بالنفس» ويتطرق إلى العوامل التي تشجع على التضحية بالنفس، فيشير إلى : التماهي مع المجموع، الخيال، احتقار الحاضر، الأشياء التي لم تكن، العقيدة، التطرف، الحركة الجماهيرية والجيوش. كما يشير في ذات القسم إلى العوامل التي تشجع العمل الجماعي، فيتحدث المؤلف عن: الكراهية، التقليد، الإقناع والقمع، من أين تأتي الرغبة في التبشير، القيادة، العمل، الشك، نتائج العمل الجماعي. وعنون المؤلف القسم الرابع من الكتاب ب»البداية والنهاية» وجاء في أربعة فصول: رجال الكلمة، المتطرفون، الرجال العمليون، الحركات الجماهيرية النافعة والضارة. ثم تحدث حول ما أسماها «المرحلة الديناميكية وما يواكبها من فساد وعقم» ثم «بعض العوامل التي تحدد المرحلة النشطة» وختم الكتاب بالإشارة إلى «الحركات الجماهيرية النافعة». إريك هوفر، كاتب اجتماعي وفيلسوف أمريكي، ولد سنة 1902م في مدينة نيويورك، له عشرة مؤلفات، منها «أهواء العقل» و «أزمة التغيير» و «مزاج زماننا»، ويعد كتابه «المؤمن الصادق» من أول مؤلفاته، نشر سنة 1951م. وقد حاز هوفر على الميدالية الرئاسية للحرية، وسلمها له الرئيس الأمريكي رونالد ريغن، سنة 1983م، وتوفي في ذات السنة. صدرت الطبعة الأولى العربية من «المؤمن الصادق» لإيريك هوفر في 2010م، الكتاب من ترجمة الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحمه الله، وعن مشروع كلمة للترجمة ومكتبة العبيكان، ويقع الكتاب في 318 صفحة من القطع المتوسط.