تدارك الأخطاء قبل استفحالها يساهم في وضع حلول عاجلة لها، وكثير من مشاكلنا تأتي نتيجة اللامبالاة ما يؤدي إلى تراكمها، وهي تحدث بسبب القصور في تفكير بعض المسؤولين التنفيذيين، وكذلك بعض أفراد المجتمع في أهمية أن تكون المصلحة العامة هي الهدف الأول الذي نعمل له جميعاً، حتى تكون أعمالنا وإنجازاتنا في مستوى طموحات وتوجهات ولاة الأمر لتحقيق التنمية والرفاهية والسعادة للوطن والمواطن. «الرياض» في هذا التحقيق تستعرض «بانوراما منوعة» من قضايا المجتمع المعلقة من دون حلول، أهمها: الرؤية الفكرية للتطرف الديني في أقصى اليمين، والانحلال الأخلاقي في أقصى اليسار، وقيادة المرأة السيارة، وهجرة الأموال، وابتلاع أراضي الخدمات داخل الأحياء، وغياب الحدائق العامة في المدن الرئيسة، إلى جانب المساهمات الوهمية، وتدني مستوى المواصفات والتنفيذ في المشروعات الحكومية. د. عطار: دعاة التطرف يتنافسون بين اليمين واليسار التطرف من اليمين واليسار! يقول "د. طلعت عطار" المستشار القانوني: إن كثيرا من دعاة التشدد وفتاوى التكفير والتدمير يملكون كثيرا من أدوات التلون والتشكل حسب الظروف والطقس المحيط بهم، والمهم هنا أن نعي ذلك جيداً ونتنبه له حتى نحمي شبابنا ووطننا ومجتمعنا من شرهم، ومن جميع الأفكار المتطرفة، مضيفاً: "يجب ألا نتغاضى عن ضبط الإفتاء، وألا نترك لكل من قرأ كتاباً في الحديث أو الفقه أو التوحيد أو أحد الكتب الدينية التي تصدر عن المتشددين ودعاة الغلو، أن يعتلي المنابر ويحرم ويحلل من دون علم أو دراية، لما في ذلك من تشويش لعقول الناس وتطاول على الدين"، مطالباً باقتلاع الفكر المتشدد لحماية شبابنا من أفكار الابتذال والانحراف الأخلاقي، فقد ظهر في هذا الزمن مفسدون آخرون لا يقلون عن دعاة التشدد والتطرف ضرراً وإفساداً، وهؤلاء هم الذين يحاولون تسطيح فكر الشباب وجرهم إلى الغرق في ثقافة الجسد والغرائز، بمتابعة المحطات الفضائية ومواقع الانترنت التي تبث البرامج المملوءة بالسموم والمجون والتبرج، إضافة إلى ترسيخ ثقافة الجسد واللعب على أوتار الغرائز، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات التربوية لخلق جيل واع قادر على ضبط إيقاع توجهاته وتحصينه ضد هذه المفاسد، من خلال فهم ما يجري حوله بعمق ووعي، كما يجب على الأسر أن تقوم بدور تربوي فاعل في هذه المرحلة الخطرة. د. إنعام: هل مسوغات قيادة المرأة السيارة غير مقنعة؟ قيادة المرأة السيارة بين الحين والآخر ترتفع وتيرة المطالبات بالسماح للمرأة بقيادة السيارة لتتولى أمور حياتها بنفسها، والذهاب إلى مقر عملها ودراستها مثلها مثل جميع نساء العالم في مختلف دول العالم الإسلامية والعربية والعالمية، من دون الحاجة إلى وجود السائقين الأجانب الذين يتولون القيادة بنسائنا والبقاء معهن في بيوتنا، مع أن هذا مخالف نصاً وروحاً لتعاليم الإسلام التي حرمت خلوة الرجل بالمرأة، إذا لم يكن محرماً لها، ولكننا مع الأسف سمحنا بالمحرم، ونتجادل في الحلال، فبعضهم يرى أن قيادة المرأة السيارة رجس من عمل الشيطان، لأن بعضهم مع الأسف أصبحت العادات والتقاليد والعرف عنده أهم من الدين، هنا تؤكد "د. إنعام الربوعي "أن قيادة المرأة السيارة أصبحت مطلبا مهما في هذا الوقت الذي تعددت فيه مسئوليات المرأة ومهامها العملية والأسرية، فوجود السائق الأجنبي في منازلنا مخالف للدين، ولكننا سمحنا به، بينما نرى أن قيادة المرأة سيارتها "حرام"؛ لأنه نظر للموضوع من زاوية العرف والتقاليد وتجاهل رأي الدين، مضيفةً أن ما يحدث من مضايقات للمرأة وتعدي عليها يعود سببه للفساد الأخلاقي وعفونة الفكر عند كثيرين، الذين يرون أي امرأة تسير وحدها في الشارع مشروع لامرأة منحرفة، وهذا يمكن علاجه بالحزم ومعاقبة كل من يتجاوز حدود الأدب العام، مع تأكيد أهمية الوعي الديني والرقي الأخلاقي والحضاري حتى يصبح مجتمعنا في الصورة التي تتناسب مع تعاليم ديننا ولكوننا في أطهر بقعة على وجه البسيطة. د. السليماني: «السذاجة» قادت إلى المساهمات الوهمية ملابس قصيرة ظاهرة بدأت تغزو مجتمعنا لم تكن موجودة حتى وقت قريب، وتتمثل في خروج بعض إلى الأسواق والأماكن العامة بملابس قصيرة غير محتشمة، وهم يرون أن هذا حرية شخصية ومجاراة للموضة العالمية، حول هذا الموضوع يعبر "سعيد جراد" تربوي وباحث في الشؤون الاجتماعية، عن استهجانه مثل هذه التصرفات التي تستخف بالذوق العام، خاصةً إذا كانت هذه "الشورتات" فوق الركبة، لأن في ذلك خدش للحياء وتمرد على العرف العام الذي يمنع مثل هذه التصرفات، خاصة أن بعضهم أصبح لا يتورع عن الذهاب إلى المساجد والمدارس والإدارات الحكومية بمثل هذه الملابس، وكأنه ذاهب إلى قهوة، مضيفاً أن مثل هذه الممارسات من بعضهم تجعل كثيرين يخجلون من الذهاب بزوجاتهم وبناتهم لبعض الأسواق التي يوجد فيها أصحاب "الشورتات" و"بنطلونات طيحني"، منبهاً من ذهاب بعض النساء إلى الأسواق وكأنها ذاهبة إلى حفل زواج؛ لأن هذا سيجعلها عرضة للتحرش، وربما الابتزاز. د. إيهاب السليمان أراضي الخدمات تواجه بعض الإدارات الحكومية خاصة تلك الإدارات التي تحتاج إلى عدد كبير من المباني في كل أنحاء المدينة مثل وزارة التربية والتعليم، وأقسام الشرطة، والدفاع المدني، والصحة، مشكلة في الحصول على أراضي في بعض أحياء المدينة، خاصة تلك الأحياء التي نشأت حديثاً رغم وجود أراض على المخططات في تلك الأحياء، لكن تلك الأراضي على أرض الواقع لا وجود لها، فقد تم ابتلاعها من أصحاب تلك المخططات وبيعت، أو أنها أخذت لبعضهم بطرائق مختلفة، ولهذا تواجه إدارة التربية والتعليم مشكلة في الحصول على أراض تغطي الاحتياج لبناء مدارس جديدة في الأحياء الجديدة. رضا: تدني مستوى التنفيذ في المشروعات الحكومية هنا يطالب المهندس "يوسف الصعيدي" بوضع آلية أكثر قدرة على حماية الأراضي العامة من العبث والأطماع الشخصية، لأن هذا يعطل المشاريع الحيوية التي تخدم المجتمع ويجب أن يُسأل أصحاب المخططات أين ذهبت أراضي الخدمات العامة؟، ويكلف أصحاب تلك المخططات بتوفير بديل عنها من حساباتهم؛ لأن مصلحة الوطن والمجتمع أهم من المصلحة الخاصة، مؤكداً أنه متى تحقق ذلك فإن جميع الأراضي التي اختفت ستعود وسيتم استغلالها للخدمات العامة، مشدداً على ضرورة اهتمام الأمانة بالحدائق العامة والحفاظ عليها، وأن لا يكون الاهتمام مقتصراً على منطقة معينة أو أحياء معينة، وإنما يجب أن يكون شاملاً لكل أحياء المدينة وأطرافها، وأن تكون مقولة جدة الخضراء واقعاً لا مجرد كلام لا وجود له، متمنياً أن يصبح لمدينة جدة حديقة عامة يجد فيها سكانها وزوارها متنفساً حقيقياً في مختلف المواسم، وأن لا تكون الحدائق مجرد زوائد من تنظيم الأحياء فقط، بينما المساحات الحقيقية لها مهملة ومكباً للنفايات، ما يغري بعضهم في تطبيق منحهم عليها متى وجدوا فرصة لذلك. د. إنعام الربوعي صحاري قاحلة كثير من أصحاب المال وأرباب "البزنس" يذهبون بأموالهم بعيداً، ويفضلون استثمارها خارج الوطن، وبعضهم الآخر رغم امتلاكهم أموال طائلة لا يوجد لديهم أي استثمار صناعي أو زراعي أو سكني أو حتى سياحي، بل إن معظم استثماراتهم في الأراضي والأسهم، وليتهم حولوا الأراضي والمخططات لمشاريع سكنية يساهمون من خلالها في حل أزمة السكن، ولكنهم يتركونها صحارى قاحلة تشوه المدينة، وتسبب كثيرا من المعاناة للناس، بسبب الغبار الذي تغطي به الأحياء، عند وجود أي نشاط للرياح، نتيجة المساحات الشاسعة لهذه الأراضي التي ينتظر مالكوها من المتخمين أن تصل أسعارها إلى أكثر مما هي عليه، لتضيف المزيد من الأموال لأرصدتهم في البنوك العالمية، وتمكنهم من المزيد من الاستثمارات الأخرى بعيداً عن الوطن. الصعيدي: أراضي الخدمات داخل الأحياء غير محمية وتؤكد تقارير غير رسمية أن استثمارات المواطنين في الخارج تصل إلى أرقام كبيرة جداً، وهي أرقام لو عاد (50%) منها إلى الوطن فإنها ستحقق فوائد للاقتصاد المحلي، وستحرك عجلة النشاط في المدن الصناعية، بل وستوفر كثيرا من فرص العمل للعاطلين من شبابنا. د. طلعت عطار هجرة الأموال بعض من الاقتصاديين وأصحاب الاستثمارات الخارجية يعللون أسباب هجرة الأموال الوطنية واستثمارها في الخارج، إلى عدم وجود فكر استثماري سليم محلياً، وبسبب ضيق القاعدة الاقتصادية، فهيئة الاستثمار محددة جهودها في قطاعات تعتمد على النفط، بينما لا تحظى المجالات الأخرى بنفس الاهتمام، وبسبب الإجراءات والتعقيدات الإدارية و"البيروقراطية" التي يعانيها المستثمر، التي تجعله يتوقف عن الاستمرار في طلبه الاستثماري ويذهب به إلى خارج الوطن، وهذا يتطلب أن تكون هناك نقلة حقيقية في الإجراءات المعمول بها إدارياً، وأن يتم القضاء على "البيروقراطية" التي تعرقل مسيرة الاستثمار، مع فتح مجالات متعددة له، حتى لا يكون لأصحاب المليارات المستثمرة في الخارج حجة لهذا العقوق، خاصة بعد الهزات العنيفة التي أصابت الاقتصاد العالمي، التي لم يتعاف منها بعد، والتي تؤكد أن الاستثمار الآمن هو الاستثمار في داخل الوطن. م. علي رضا المساهمات الوهمية كثير من المساهمات الوهمية حدثت في الآونة الأخيرة، ووقع ضحيتها العديد من الناس، بسبب الطمع حيناً وبسبب "الهَبل" في أحيان كثيرة، كيف حدثت؟، وهي التي شملت مخططات أراض ومشاريع عمرانية ومساهمات، حول هذا الموضوع يقول "د. إيهاب السليماني" مدير مؤسسة السليماني للخدمات الاجتماعية: إنه برغم مرور وقت طويل على هذه المساهمات الوهمية، إلا أن التعامل مع المتورطين فيها يمر عبر إجراءات روتينية طويلة لا تحقق الفائدة، وهذا ناتج عن خلل في النظام الخاص بمثل هذه الممارسات، كما أنه يعود لعدم قيام المتضررين بأي خطوات عملية تساهم في إعادة حقوقهم، ومحاسبة الجهات التي لم تنصفهم، مؤكداً أن هذه السلبية هي التي ساعدت في ظهور مثل هذه المساهمات، التي أفقدت الوطن مليارات الريالات من أموال أبنائه، نتيجة السذاجة في أحيان، ووجود خلل في الأنظمة في أحيان أخرى. على الورق فقط! كشفت كارثة السيول في جدة كثيرا من الأمور "المسكوت" عنها في السابق، التي أدت إلى تحول الوظيفة عند بعض من المسؤولين في الإدارات والمصالح العامة إلى وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة والثراء، فكثير من المشروعات التي تم اعتمادها وصرفت مبالغ لتنفيذها، أُكتشف أنها كانت على الورق فقط، رغم الملايين التي دفعت فيها، كما تم كشف كثير من التلاعب في العقود وترسيتها على بعض المقربين من المسؤولين في تلك الإدارات والمصالح، تحت اسم "انفع واستنفع" ما أدى إلى كثير من التلاعب في تنفيذ المشروعات العامة، مع أن كثيرا منها طرحت بمبالغ كبيرة جداً، بل وأكثر مما تنفذ به مثيلتها في الدول الأخرى المشابهة لظروفنا وأقربها دول الخليج، لأن المصالح الشخصية والبحث عن الثراء عند بعض من مديري الإدارات والمشرفين على تنفيذ تلك المشروعات تفوق الحرص على مصلحة الوطن والمواطن. م. يوسف الصعيدي ويؤكد المهندس "على رضا" أن التلاعب في مواصفات المشروعات وعدم مراعاة الدقة في تنفيذها، هو امتداد طبيعي للخلل الإداري في أي موقع، كما أن ترسيتها على شركات ليست لديها خبرة تسبب في إهدار مليارات الريالات، وهذا يفرض أن تعتمد آلية جديدة في تنفيذها من خلال الخطة الخمسية الحالية، وأن تكون هناك متابعة دقيقة لتنفيذها من قبل استشاريين مؤهلين ومتخصصين في جميع جوانب المشروعات، حتى يأتي التنفيذ مطابقاً للمواصفات ومتناسباً مع المبالغ المالية الكبيرة التي ترصدها الدولة لمشاريعها، مطالباً أن تكون هناك محاسبة لكل المتلاعبين والمستغلين لمواقعهم الوظيفية ومراكزهم الإدارية بهدف خدمة مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة، لأن ذلك هو الذي تسبب في أن تكون البنية التحتية في معظم مدننا بهذا الوضع السيئ.