كان هدف الرحالة الدانمركي رونكيير من رحلته لاستكشاف الصحراء في جنوب الجزيرة وهو ما استشعره اهالي المدن والقرى التي كان يمر بها عام 1912م وجعل منه شخصا غير مرحب فيه في أكثرها حتى فرضت عليه اقامة شبه جبرية في بريدة كما ذكرنا سابقا ومنع من دخول عنيزة فاستكمل رحلته إلى الرياض مرورا بالشماسية في طريق عودته ومكث قليلا في منزل احد أدلائه بالزلفي انطلق بعدها إلى الغاط بعد ان رفض أمير الزلفي ارسال دليل معهم لتوفير مزيد من حماية الطريق فعبروا المسافة بظروف صعبة وامزجة متوترة ومفاجآت غير سارة كما وصفها بكتابه (عبر الاراضي الوهابية على ظهر جمل ): اختفى دليلنا فهد وراء الافق وبينما كانت مجموعتنا الصغيرة تشق طريقها ببطء تحت وطأة حرارة الشمس الملتهبة في تلك الفلاة القاحلة حدث شيء كان مؤلما لدرجة أن الانسان لا يتمنى ان يحدث له ثانية في حياته كلها. كان فهد قد تفوه بكلام سياسي غير مناسب وقد اثر في رجالي الذين شقوا عصا الطاعة ضدي واعلنوا رفضهم الاستمرار في السفر للرياض وجاء عبدالعزيز باقتراح مجنون وهو ان نعود إلى الكويت ثم نرسل إلى الرياض نستأذن في القدوم واقترح الآخرون ان نقيد فهد بعد ان نمر بالغاط ونضعه على ظهر جمل، ثم بعد ان نتوقف على بئر الارطاوية ونحصل على الماء نزوده هو ايضا بالماء والزاد ونترك له اختيار وجهته. لقد تصورت نفسي في تلك اللحظة عائدا إلى الكويت معلنا انني قمت بآخر مغامراتي ومقدما نفسي لأميرها الشيخ مبارك الصباح الذي تصورت انه سيستقبلني في مكان مختلف غير الذي استقبلني فيه سابقا وعلى وجهه ابتسامة. أخذ النقاش يزداد حدة وعداوة. كنا نمر بمنطقة ظهرت بها بعض النخيل والمزروعات الاخرى تسقى بالسيول التي تنحدر من جبل طويق وفي مكان ظليل ارتفعت فيه الاشجار توقف الرجال قليلاً ليزيدوا من ضغطهم علي لاتخاذ قرار العودة للكويت. اجبتهم انني سأتخذ القرار ولكن ليس قبل أن نمر بالمجمعة. اردت أن اعرف كيف سيكون استقبالنا في الغاط وفي المجمعة. واذا وجدت بعد ذلك أنه لابد من عودتنا أمكننا بدء العودة من المجمعة إما عن طريق اللصافة او حتى عبر الصحراء إلى الاحساء. هكذا استمر الجدال إلى أن وصلنا إلى نقطة انحدار مفاجئة في الجهة الشرقية من الهضبة المرتفعة التي كنا نسير فوقها. والتي اظهرت لنا وادياً متعرجاً عميقاً امتلأت جوانبه بالصخور الضخمة التي انحدرت على جوانبه. شاهدنا في نهاية الوادي حديقة نخيل وحيطاناً. كانت تلك واحة الغاط. استرحنا نصف ساعة قبل ان نستأنف السير بصمت وامزجة متوترة نحو البلد لا شيء يمكن أن يخرجنا من كآبتنا أقل من صدمة عنيفة وهذا ما حدث فعلاً ولو انه كان يمكن ان تأتي بنتائج عكسية. لقد شاهدنا شيئاً يتحرك عن بعد بين الاحجار الكبيرة التي تملأ الوادي. كان يتقدم مسرعاً نحونا وكان يختفي بين آن وآخر بين الصخور دون ان نعرف ما هو او كم هو. كان لدينا كما ذكرت ثلاث بنادق. وفي تلك اللحظة كانت حياتنا نفسها تتوقف عما اذا كان لدى القادمين بنادق أكثر. نسينا بسرعة خلافاتنا وتقدمت انا وعبد العزيز وأخوه نحو القادمين الذين ما زلنا لا نعرف من هم بينما بقي علي يحفظ مؤخرة الركب . أخيراً ظهر لنا مخلوقان غريبان يتسلحان ببندقيتين وكانا يركضان نحونا غير عابئين بصيحات التحذير التي اطلقناها نحوهما واصبحا من القرب بحيث لو أردنا أن نطلق النار عليهما لأصبناهما. صوبنا بنادقنا نحوهما ولما رأيا أن اسلحتنا تفوق ما معهما انحرفا بسرعة ووقفا غير بعيدين وبنادقنا لاتزال مصوبة نحوهما ولما تكلما قالا انهما من (....) ولم يزيدا على ذلك بل اسرعا مبتعدين جنوباً قبل ان تبتلعهما الصحراء مرة أخرى.. (يتبع )