استعرضنا في الحلقتين الماضيتين قصة دخول الرحالة الدانمركي رونكيير إلى بريدة عام 1912م أو بالاصح دخوله قصر الحاكم الذي لم يسمح له بمغادرة أسواره وكانت المدينة قد رفضت دخوله بتاتا لمعرفتها بالاهداف والنوايا السيئة التي يحملها مثل هؤلاء وقرأنا كيف اخضع للاستجواب شخصيا من قبل أمير بريدة فهد بن معمر وتوجيه عدد من الاسئلة عن أهداف قدومه وهم لا يستبعدون حمله رسائل تبشيرية وكتبا من الانجيل كما فعل قبله رحالة آخرون في هذه الحلقة تواصل بريدة ورجالها رفضها القاطع له وكل من ينتمي اليه ويمتنع تجارها من بيع المؤن على قافلته التي كانت تتهيأ للرحيل بعد أن تلقى رسالة من عنيزة ترفض أيضا دخوله المدينة أو المرور بها وهو يقول : سرعان ما انتهينا من الاكل وساعدنا أحد الغلمان في غسيل أيدينا ووجوهنا . قادنا فهد بعد ذلك في طريق آخر غير الذي جئنا منه وطلب أيضا أن نسير أمامه بينما هو خلفنا يوجهنا يمينا أو شمالا . عبرنا عدة ممرات ضيقة إلى أن هبطنا أخيرا درجا متهالكا سرنا بعد ذلك في ممرات ضيقة ومعتمة نتلمس طريقنا بالاحتكاك بالجدران وعبرنا عددا كبيرا من الردهات , كنت اتساءل طوال الوقت عما يراد بنا , أخيرا فتح باب وعبرنا لنجد انفسنا وسط ضوء النهار وعلى بعد خطوات من غرفتنا دخلنا مجلسنا المعتم بالغبار وقفل الباب خلفنا وجلسنا نفكر كيف سينتهي ذلك اليوم في بريدة هناك احتمالات كثيرة , اكثر مما نحن بحاجة اليها , ولكن ليس كل ما فكرنا فيه كان منطقيا , اختفى الآن شعاع الشمس الذي كان يضيء الغرفة بينما انطلق صوت المؤذن يدعو المؤمنين لصلاة المغرب , كان صوت المؤذن يصدح في المنطقة , أحيانا عاليا حزينا , وأحيانا منخفضا شجيا , ما ان انتهى المؤذن من النداء للصلاة حتى نهض فهد ورجال الامير الاخرين وغادروا الغرفة لاداء الصلاة انتهزت الفرصة وصعدت الدرج الموجود بالغرفة بسرعة والذي يؤدي إلى تلك الشرفة الحقيرة . لم أجد شيئا هناك عدا باب فتحته ووجدته يؤدي إلى سطح خال . القيت نظرة على بعض أجزاء المدينة الا انني اسرعت بالنزول عندما سمعت أصواتا في الازقة الضيقة المجاورة , ورأيت اناسا على سطح المسكن المقابل . رأيت ان للسطح المنخفض فناء آخرا ووجدت أن كل تلك الفناءات والاسطح وما شابهها متصلة بعضها ببعض كما انها تصل بين بيوت مهدمة بما فيها من جدران وبعض المآذن الاسطوانية , رسمت بسرعة بعض المناظر التي رأيتها وعدت أدراجي هبط الليل فاحتضن فهد بندقيته واستلقى للنوم عند الباب بينما استسلمنا نحن للرقاد . حوالي منتصف الليل سمعنا طرقا عنيفا على الباب أفزعنا فهبينا من نومنا مذعورين , فتح فهد الباب ودخل مبارك مطوع الامير يتبعه رجال مسلحون , أعلن مبارك رغبته التحدث مع علي وانفرد الاثنان جانبا . وأخذا يتحدثان بهمس بعض الوقت , بعد ذلك جاءني علي يقول ان مبارك يسأل ان كنت أحضرت أي هدية للامير , كنت تحدثت حول هذا الامر مع مبارك أمير الكويت , واصر أن لا آخذ أي هدايا لأمراء نجد قائلا انني ضيفه وضيف ابن سعود وأنهما لا يقايضان ضيفهما بهدايا . عاد مبارك إلى استكمال رسالة الامير التي قطعتها بجوابي . وقال ان راكبا وصل هذ الصباح إلى بريدة قادما من عنيزة , أحضر رسالة من أميرها يقول فيها انه لن يسمح لي بدخول بلده وانسحب مبارك من الغرفة ثم عاد مبارك بعد العصر وأخبرني ان الامير سوف يرسل معنا رجلا لمرافقتنا للرياض , رجلا من رجالات ابن سعود يرشدنا إلى هدفنا ذلك الذي طالما تطلعنا إلى الوصول اليه . يقودنا اليه بسلام . تقرر أن نغادر بريدة صباح اليوم التالي , وأن نتجنب الدخول إلى عنيزة ونتوجه جنوبا مخترقين وادي السر , ذهب رجالي إلى السوق لابتياع ما نحتاجه للطريق ولكنهم سرعان ما عادوا مطرودين , لأن اصحاب الدكاكين في بريدة رفضوا أن يتعاملوا مع أي عرب يخدمون كافرا . ( يتبع ) المرجع : عبر الجزيرة على ظهر جمل