مطاردة المجرمين عبر التقنية التلفزيونية باتت معاشة في مختلف الدول الكبرى وخلال الاسبوع الماضي تابعت ومن خلال إحدى القنوات الامريكية الشهيرة كيف استطاعت تقنية التلفزيون القبض على اخطر المجرمين واليكم القصة: كان مارك غودمان (27 عاما) يمضي آخر أيامه في سجن بالم بيتش في فلوريدا تنفيذا لحكم قضى بحبسه مدة قصيرة لاشتراكه في جريمة سطو وقبل شهور جلس وزملاؤه أمام جهاز التلفزيون في السجن لمشاهدة برنامج اخطر المطلوبين في أمريكا وهو احد أكثر البرامج التلفزيونية شعبية. فجأة شاهد غودمان وجهه على الشاشة فهو كان احد المطلوبين في ولاية أوكلاهوما بعد فراره من السجن الاتحادي حيث احتجز في انتظار محاكمته بتهمة سطو مسلح على مصرف وها هو التلفزيون يعرض وقائع تلك الجريمة وذالك الفرار حاول غودمان ان يغير القناة ولكن السجناء الآخرين تعرفوا إليه واخبروا الحراس فنقله هؤلاء الى جناح آخر حيث الحراسة أكثر تشددا. مارك غودمان واحد من 35 مجرما تم القبض عليهم بناء على معلومات مفيدة تلقتها السلطات من مشاهدي البرنامج التلفزيوني (اخطر المطلوبين في أمريكا) الذي يقدم عرضاً مسرحيا لأحداث الجرائم التي اقترفوها او تلك المنسوبة إليهم. شعبية متزايدة في البدء كان هذا البرنامج الذي تنتجه شركة فوكس في أستوديو لها في واشنطن يبث عبر المحطات السبع التي تملكها الشركة، أما الآن ونظرا لشعبيته المتزايدة، فهو بات يبث عبر 125 محطة في أنحاء الولاياتالمتحدة استهواني هذا الموضوع ورحت ابحث في الارشيف عن اول مجرم هارب قبض عليه هكذا كان جايمس روبرتس (44 عاما) الذي ظهرت صورته في العرض الأول للبرنامج. وكان روبرتس فرّ في العام 1986 من سجن في ولاية إنديانا حيث كان ينفذ ستة أحكام بالسجن المؤبد بعد تنفيذه سلسلة من جرائم قتل طالت خمسة أشخاص بينهم طفلان، وقد قبض عليه بعد أربعة أيام من عرض البرنامج، وذلك بفضل أربعة عمال كانوا يعملون معه في مأوى للمشردين في جزيرة ستاتون بنيويورك وهم تعرّفوا عليه بعد مشاهدة البرنامج. خطوط (ساخنة) في كل حلقة من البرنامج عرض لجريمتين او ثلاث، وغالبا ما يساهم الضحايا الحقيقيون في التمثيل الى جانب ممثلين محترفين وتتضمن بعض المقاطع مقابلات مع شهود ورجال الشرطة وصوراً للمجرم الفار وأوصافه وخصائصه النفسية المميزة، وعلى اثر العرض تنهال على الأستوديو مئات الاتصالات من أنحاء البلاد يجريها مشاهدون عبر خطوط هاتفية مجانية للطوارئ وهناك 22 موظفا يتلقون المكالمات ويحولون المهم منها لرجال الشرطة والتحري المعنيين بالقضايا المعروضة والمرابطين في الأستوديو في ذلك المساء. قصة أخرى في شهر ابريل (نيسان) 1988 اقتحم 30 شرطيا المباني السفلى من مبنى بروكلين بنيويورك، وبعد عراك وجيز اعتقلوا كارل دنستروم (28 عاما) المطلوب في ولايتي ميريلاند ونيويورك لتورطه في جريمة قتل متصلة بالمخدرات ذهب ضحيتها خمسة أشخاص، وفي قضية إطلاق نار. وكان التلفزيون قدم مساء 13 مارس ( آذار) عرضا مصورا لحادث إطلاق النار في ميريلاند، قد أدت المعلومات التي قدمها المشاهدون الى توقيف المجرم. صباح كل خميس يجتمع منتج البرنامج مايكل ليندر مع مساعديه لاختيار المقاطع المناسبة للحلقات المقبلة، وهم يتحركون بسرعة مثلا تلقوا مكالمة هاتفية من الرقيب جيري روفالسكي في ولاية وسكنسن أعلمهم عن جريمة قتل اقترفها عام 1983 أربعة أشخاص في عصابة يمتطي أفرادها دراجات نارية وذهبت ضحيتها فتاة في مقتبل العمر، وقد أوقف جميع المشتركين في الجريمة إلا واحدا اسمه دنيس ستمبنر، وفي الحال اتصل المنتج بمخرج اسمه مايكل سيرني و زوده بملف ضخم ضمّ مذكرات توقيف وقصاصات من صحف محلية وتقرير الطبيب الشرعي الذي عاين جثة الضحية، وبعد مقابلات أجراها المخرج مع عائلة الضحية وبمعونة دائرة الشرطة في المدينة تمكن من تصوير مشاهد من الجريمة التي وقعت في عام 1983، وعرض الشريط على شاشات التلفزيون، وبعد عشرة أيام أوقف استمبنر في مزرعة للجياد في ولاية كولورادو حيث عمل لمدة أربعة أيام. إشراك الناس تبدأ جميع حلقات البرنامج بإظهار جون والش وهو يسير بخطوات واسعة، ثم يقدم موضوع الحلقة ويعطي أوصاف الشخص المطلوب الذي تظهر صورته على الشاشة، ويخاطب والش الجمهور قائلا: (إنني في حاجة الى مساعدتكم، تمعنوا هذا الوجه، وان كنتم تعلمون أين سيكون هذا المساء فاتصلوا بنا في الحال، فهكذا تساعدون في القبض على واحد من اخطر المجرمين الفارين من وجه العدالة في أمريكا). احد العناصر الرئيسية في نجاح البرنامج هو والش نفسه الذي يبلغ الثالثة والأربعين من العمر وكان في وقت سابق مستشارا في إدارة الفنادق، وهو تعلم أمور الجريمة بطريقة قاسية ومؤلمة، ففي العام 1981 خطف ابنه ادم وهو في السادسة من عمره وقتل. ويقول والش:(كنت اعتقد أنني حققت حلمي فلدي عمل جيد وعائلة رائعة ومنزل في فلوريدا المغمورة بأشعة الشمس، ذات صباح ذهبت زوجتي الى الدكان وخطف ابننا، أما القاتل فلم يعثر له على اثر). منذ ذلك التاريخ كرس والش حياته لحماية الأطفال، وهو يقول: (لست شرطياً ولا عضواً في لجنة أمن أهلية، ولكن هناك 315 ألف مجرم فار يسرحون ويمرحون، وهذا البرنامج هو فرصتنا لإثبات قدرة المواطنين العاديين على قلب هذا الوضع). في البدء شكك رجال الأمن والشرطة في البرنامج (أما الآن) يقول المنتج ليندر، فإنهم يمطروننا بوابل من المعلومات وطلبات المساعدة) ولقد عين مكتب التحقيقات الاتحادي (FBI) عدداً من عملائه مستشارين في البرنامج، وظهر رئيس المكتب وليم سيشونز في إحدى الحلقات ليعلن إضافة ثلاث أسماء جديدة الى اللائحة الشهيرة التي وضعها المكتب بأسماء (اخطر عشرة فارين مطلوبين) والتي استُمدّت منها الحلقات. ولقد تم اعتقال احد المشبوهين الذين سماهم المكتب بعد فترة وجيزة وبناء على معلومات من احد مشاهدي البرنامج طريقة رائعة يقول روبرت مورغنتو المدعي العام في مانهاتن في نيويورك: (مطاردة المجرمين باهظة الكلفة ويعكف رجال التحري ورجال مكتب التحقيقات الاتحادي اشهراً في تعقب مجرم واحد، وهذا البرنامج طريقة رائعة توفر مئات ألوف الدولارات)، غير ان هناك فريقا من الناس غير متحمس للبرنامج باعتباره بالغ الإثارة والعنف كسواه من البرنامج الشبيهة مثل (قضايا غامضة لم تحل) من إنتاج شركة (NBC) و(قضية عالقة) وهو إنتاج آخر لشركة (فوكس) وبرنامج (اخطر المطلوبين في أمريكا) يصور عادة الجرائم العنيفة حيث تغتصب الضحايا وتضرب حتى الموت او تطلق عليها النار من مسافة قريبة جدا، يقول ليندر مدافعا: (يعود منتجونا الميدانيون بمواد فظيعة نحاول دائما تلطيفها وتخفيف بشاعتها، فنحن لا نبغي تنفير الجمهور او إثارة اشمئزازه بتعريضه لمشاهد وحشية) وهو يؤكد ان ليست في البرنامج مقاطع مرتجلة ويضيف بإصرار (انه ممارسة صحافية جيدة وعمل تأديبي يشجّع الانضباط ويحض عليه). وفي ملاحظة أبدتها كولين اكونور مديرة قسم التربية الشعبية في (الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية) ان البرنامج يصور أحيانا كثيرة جرائم منسوبة الى المشتبه بهم، وتساءلت كيف لشخص صوره التلفزيون مجرما قاتلا ان يحظى بمحاكمة عادله؟. يؤكد ليندر ان قضايا الحريات المدنية لا تغيب ابداً عن أذهان المنتجين والمخرجين، وان البرنامج يصور غالبا مجرمين فارين دانتهم المحكمة وأصدرت عليهم أحكاما لا مشبوهين لم تصدر في حقهم أحكام بعد، ولكي تبقى المكالمات الهاتفية محصورة بالمواطنين ذوي الحس العام، امتنع البرنامج عن تقديم أي مكافآت، حتى عن إعلان المكافآت التي تخصصها هيئات عامة وخاصة لمن يرشد الى الشخص المطلوب، وفي السنوات الاخيرة بدأت تقنيات اخرى تضاف الى تقنية التلفزيون في تعقب المجرمين والمنحرفين والمطلوبين وذلك من خلال نشر صورهم في مواقع الفيس بوك والتويتر وحتى من خلال رسائل الهاتف النقال.. قصة نجاح لخدمة العدالة تقوم بها التقنية فالكاميرات المنصوبة في كل مكان وفي مختلف الدول تصور مايحدث بصورة سرية وسريعة وهي توثيق لاغبار عليه واثبات لا يستطيع المجرم او مرتكب الخطأ انكاره، وها هي كاميرات ساهر ترصد في بلادنا تجاوزات مخالفي أنظمة السير والمرور.