على الغالب نحن نضع النظام لنخترقه ، طبيعة الاستقبال الجمْعي لأي نظام هي ليس الإذعان أو الاستجابة المستثمرة لنواحيه الايجابية ، إنما البحث عن الثغرات والمنافذ لاختراقه والتحايل عليه ، وبالتالي تقليص المردودات والايجابيات التي من الممكن أن يجنيها الفرد في حال تم تطبيقه بحذافيره . أقرب مثال على هذا هو نظام (ساهر) فعلى الرغم من أن شوارعنا تخوض منذ سنين حربا استنزافية مرعبة يروح ضحيتها كل عام الآلاف من الأرواح ، وتقصف عبرها عشرات الأرواح الشابة الفتية ، وتسبب ضغطا كبيرا على الخدمات الصحية والتأهيلية ، إلا أن هذا النظام الذي لاح كضوء في نهاية النفق ، تلقفناه بالطريقة المعهودة ، حيث تم اختراقه عبر رسائل بات يتداولها الشباب وبعض (الشيبان) عن مواقع كاميرات (ساهر) حتى يتسنى للجميع الحذر من ترصد الكاميرا حين المرور بجوارها ، والالتزام بقواعد المرور في حضرتها فقط ليتم بعد ذلك معاودة الأسلوب القديم في القيادة المتفلتة من الضوابط والأنظمة . ولاتقتصر هذه الظاهرة على (ساهر) بل تحولت إلى نمط يومي ، يبرز في مختلف المؤسسات الخدمية التي مهمتها تقديم خدمة مباشرة للمواطن - وتوزيع الخدمة بالعدالة بين الجميع - لكن لينتهي بها الأمر إلى تسليم الأمر برمته إلى المعقبين (والمعقب هي الوظيفة العجائبية التي تعكس خصوصية واختراعا سعوديا 100% ) فهم وحدهم الذين يعرفون دهاليز المنشأة الحكومية وخباياها ومفاتيحها الخاصة . أو قد يختار راغب الخدمة ترديد الجملة المعهودة (تعرف أحد في.....) . هناك علاقة نفور وتمرد بين الأنظمة وتطبيقها والالتزام بها على المستوى المحلي ، فهل يرجع هذا إلى سمات الشخصية المحلية التي اعتادت الآفاق الصحراوية الشاسعة والمخاتلة للأنظمة ؟ ام أنها غياب القناعة الشخصية بتلك الأنظمة نظرا لأن المواطن نفسه لم يخترها أو يناقشها أو يصوت عليها بل فرضت عليه بصورة فوقية قسرية. يستشهد د. جلال أمين في كتابه (مصر والمصريون ) بنظرية الاقتصادي الشهير (ميردال ) حول أبرز مظاهر( الأنظمة والقوانين الرخوة) ، وهي تتبدى عندما تصدر القوانين ولاتطبق بل تظل مدونات أرشيفية بعيدة عن الواقع ، وفي حال تطبيقها يتم البحث عن ثغراتها وعيوبها ليتم تجاوزها ، لأنه في الواقع لايبالي أحد بتطبيقها ، فالمتنفذون وأصحاب السلطة لديهم من النفوذ والسطوة مايحميهم عن التطبيق الجذري لها ، بينما الآخرون من بقية شرائح المجتمع يراوحون بين مكانتين إما غض البصر بسبب الفساد والمحسوبيات ، أو التحايل على النظام للقفز عليه.. تتعدد التفسيرات التي من الممكن أن ندرجها هنا لتفسير علاقتنا المختلة مع الفضاء المدني العام وقوانينه ، مع حالة قصور جمعي عن تمثل الشرط المدني ومتطلباته النفسية والسلوكية من التعايش والانضباط وحق الجميع من التشارك في الحيز بنسب متساوية . ولكن حتى الآن بعض الدلائل تشير إلى أننا نوجد النظام ليس لتطبيقه بل للتحايل عليه ومخاتلته .