مع نشأة كيان الدولة الحديثة للمملكة العربية السعودية ، كان الاهتمام بتعليم المرأة على الرغم مما كان يعانيه ذلك الأمر من عوائق ، تغلبت عليها حركة الوعي وإرادة التغيير ، فتعلمت المرأة ، وظهر التعبير عن ذاتها وهمومها في إصدارات متعددة ،منها ما كان في شكل الخواطر ، والرواية ، والقصة . وكان من ذلك الشعر ، الذي قل حضوره في تاريخ المرأة العربية قياسا إلى شعر الرجل .. حيث راودت الفتاة في المملكة العربية السعودية عالمه ، ولم تشأ أن تقصر عن الرجل في النشر والكتابة فكتبت بالاسم المستعار حينا ، وبالصريح أحيانا أخرى ، وكان الصدور الشعري الأول باسم مستعار ؛ وكان " عبيرالصحراء " لسلطانة السديري الذي صدر عام 1956م ، عن مطبعة الدار الأهلية في بيروت ، ثم أعيد طبعه عام 1963م بعنوان " عيناي فداك " ، وحين يضحي المبدع باسمه ويكتب تحت ستار الاسم المستعار ، فإن هذا يشعرك بخشية مواجهة المجتمع بالشعر من صوت أنثوي ، وهو الأمر الذي واجهته هذه الشاعرة حيث كانت تنشر باسم مستعار في جريدة عكاظ عام 1960م ، وبعد هذا التاريخ المبكر لازمت الأسماء المستعارة كتابة المرأة الشعرية ، فهيا العريني من الشاعرات اللائي عاقرن التجربة الشعرية الجديدة ، وكان أول ظهورها في الثمانينات الميلادية ،تقلبت بين أسماء عدة ، واستقرت فترة طويلة على اسم غيداء المنفى ، على الرغم من تميز تجربتها الشعرية.، ولم تكشف عن اسمها إلا مؤخرا ، وديوان شميم العرار لغادة الصحراء اختلف حول اسم صاحبته ،وحسم الخلاف أخيرا لصالح الأميرة : جواهر بنت سعود بن عبد العزيز . وكان شعور المرأة بالقلق من ظهور اسمها كاتبة هاجسا لدى المرأة في الشعر وغيره ، وقد عبرت عن هذا ليلى الأحيدب في ندوة نسائية عقدت في التسعينات حين قالت " وقبل سنوات مضت كانت المرأة التي تكتب في الصحف تعتبر خارقة لعباءة المجتمع وخارقة لأعرافه الاجتماعية .. " وأضافت أن " كل كاتبة تلفت الأنظار بكتابتها وتميزها يشكك في هويتها بل قد يقال إنها رجل متخف باسم امرأة واستشهدت على ذلك بردة الفعل على اسم غيداء المنفى ،وتشكيك بعضهم أنها اسم لرجل بنى مجده الشعري على اسم امرأة . ومع هذا التحفظ الاجتماعي إلا أن هناك شاعرات غامرن بالكتابة الشعرية وأسفرن عن أسمائهن ، ومعاقرتهن التجديد والاختلاف، أمثال ثريا قابل ،مريم البغدادي ، رقية ناظر ، سارة أبو حيمد ،فوزية أبوخالد ، خديجة العمري . . . ولم تغامر ثريا قابل بإعلان الاسم فقط على ديوانها ( الأوزان الباكية ) الصادر عام 1963م ،بل بكتابته بالشكل الجديد ( الشعر الحر) ، ويكتب مقدمته محمد حسن عواد الذي عرف بدعوته لاحترام حقوق المرأة ومناصرته لقضاياها ،ولم تكن مغامرة ثريا قابل في هذه الفترة المبكرة في الشكل فحسب بل جاوزت ذلك إلى التمرد على النسق والاستجابة لدواعي التعبير المختلف ؛ ففي نص بعنوان " أرق " نجد كتابة امرأة تعلن عن عاطفة الحب ، ولهيب الأشواق ، فهي تقول في النص : وأدنو منه أستجديه أتوسل كأي شريد يتيه بعيد لا يقرب فتمضي إليه أهدابي بأتعابي بشوقي إليه وترجوه فلا يقرب ومثل وقفة العواد إلى جانب شعر المرأة نجد وقفات أخر ، أمثال فؤاد شاكر الذي وقف إلى جانب ابنته : عزة فؤاد شاكر ، ومحمد حسين زيدان الذي قدم ديوان " شمس لا تغيب " لرقية ناظر ، وعثمان الصالح الذي قدم ديوان " أشرعة الليل " لعزة فؤاد شاكر ، وتجد في مثل هذه المقدمات الاحتفاء بنص المرأة ، وكأن ذلك يشير إلى الطرف المقابل الذي يناوئ هذا الإبداع وهذه الثقافة الأنثوية ، فمحمد حسن عواد يطلق لقب الخنساء على ثريا قابل ، ولذلك جاءه الانتقاد على هذا الرأي، ويلخص ذلك رأي عبدالله مناع الذي قال :" ثريا شاعرة غنائية مجيدة ، لكنها لا تطول قامتها لتكون الخنساء ..لكن العواد على طريقته كان رجلا منحازا إلى المرأة وهذا جزء من مواقفه " ، نعم هذا جزء من مواقفه ، ويشير إلى المسافة التي يود أن يمتد بها بثقافة المرأة في مجتمع ذكوري لا يكاد يتقبل كتابة المرأة فضلا عن أن تكون شعرا وفي الحب ،ومحمد حسين زيدان يشير إلى فرحه وطربه بشعر رقية ناظر ،ويقول :" وما لقبها إلا لقب لأسرة صديقة من الوفاء لها أن تكون رقية ناظر صديقة لكاتب الحرف لا بأسلوب الاحتراف ولا لترح الاغتراف وإنما بثقافة عرفتها بها وعرفتني هي بها أيضا ، تهنئة لك شاعرة راقية أيتها الراقية " ونلحظ ما يحمله كلام محمد حسين زيدان من تمجيد لأسرة الشاعرة وثقافتها ، وكأنه يواجه مواربة من يستصغر كتابة المرأة .