يمرّ بنا الزمن ، أو نحن نمرّ به ، تخدعنا اللحظات الجميلة ، تبهرنا ساعات الدهشة والفرح والانتصارات المؤقتة ، وربما الواهمة ، يسكننا نوع من الغرور ، وتُكرس الطمأنينة بأن الحياة ، والزمن ، والليالي نُمطت ، وأُخضعت لرغباتنا ، وفرحنا ، وسعادتنا ، وأننا في حصانة تامة من تقلبات الأيام ، وانعطافات مسيرتها ، وقساوة أوجاع مفاجآتها ، فنعيش صباحاتنا ، ومساءاتنا ، وكل تفاصيل الواقع اليومي دونما شعور أو تفكير بأن لا أحد في مأمن من الانكسار ، وربما السقوط المريع والمخيف . وهذه كارثة حقيقية لمن يتعود على الامتلاء بالنرجسية ، والطغيان ، أو الوهم بأن الصدف ، والظروف قالت كلمتها ، وانتهى كل شيء، وما كُتب قد كتب . هذه السطور نبتت فجأة في داخلي وأنا أتذكر بيت شعر شعبي قديم أحفظه كبيت يتيم ، لاأعرف قائله ، ولا حتى القصيدة التي هو جزء منها ، وأحسبه من «الشوارد» على رأي أستاذنا وشيخنا ومعلمنا عبدالله بن خمبس . والبيت يقول : « خلّوه يرقد والليالي تصحيه يفز من نومه بليا منادي» أعرف أن الشاعر كان يلامس ببساطته العجز ، والهروب ، والاتكالية عند بعض الناس ، ويقرأ حال بعض الشباب الذين اعتمدوا في مسارهم الحياتي رفض التعب، والجهد ، والسعي وراء اللقمة المغموسة بالعرق ، والنضال المستمر من أجل تكييف الحياة ، وتطويع الظروف لصناعة النجاحات على أساس « أن أفضل الأيام هو الغد « وأروع حياة يعيشها الانسان هو المستقبل إذا ما أشغلتنا على وعينا ، وتطوير مفاهيمنا ، وصار همنا محصورا في كيفية الارتقاء بأدواتنا وتنميتها من أجل مواجهة المستقبلات ، مهما كانت هذه المستقبلات . غير أني أذهب من خلال هذا البيت من الشعر ، وهو رائع ومتألق الحكمة ، إلى أن السادر في الوهم ، عبر اعتقاد بأن صفو الحياة دائم وأزلي ، وأن ابتسامات لياليها ، وساعات زمنها ماهي إلا أشياء طبيعية ، ومكتسبة ، وسديمية من غير المعقول أو المسموح أن تتغير ، أو يكون لها وجه آخر ، أو أن لها قسوة أشد من نعيم رخائها ، وحلاوة طعمها ، وما تعطيه من نشوة غرور ، هذا الذي يحمل هذا الاعتقاد سيأتي عليه اليوم الذي « يفز من نومه بليا منادي « . يقودني هذا إلى رائعة الرائع محمد الأحمد السديري ، وهو واحد من رموز الرجولة ، والفروسية ، والشجاعة ، والشهامة ، وطباع إنسان الصحراء حين يصرخ بوجعه في قصيدة مشهورة . « الله من همٍ بروحي سهجها بخافي ضميري في كنين الحشا لاج استرسلت بالدمع مما رهجها غيضٍ يكظ عبارها مثل الامواج كم واحدٍ له غاية ما هرجها يكنّها لو هو للأدنين محتاج يخاف من عوجا طوال عوجها هرجة قفا يركض بها كل هرّاج يقضب عليك المخطية من حججها حِلْو نباه ، وقلبه اسود من الصاج والرِّجل وان شطت لياليك سجها عسى تواليها تبشّر بالافراج « إذن : لا أحد في مأمن من الوجه الأغبر للحياة .. ونلتقي بعد العيد بإذن الله .