قرأت في العدد رقم 15313 الصادر في يوم الجمعة 14 جمادى الآخرة من جريدة «الرياض» فتوى من هيئة كبار العلماء تفند وتوضح الحكم الشرعي حول دعم الإرهابيين وعدم جوازه، لذلك أحببت أن أناقش هذه المسألة من جهة قانونية بحتة. وهذا يعني انني لن أتطرق للمسألة من حيث الجواز شرعاً وعدم الجواز في مثل هذه الأعمال فمشائخنا جزاهم الله خيراً أبدعوا في تفصيلاتهم عن الحكم الشرعي وعن حرمة مثل تلك الأفعال. لكنني سوف أتناول الشق الجنائي لمثل تلك الأفعال. يعرف في القانون أن الجريمة البسيطة تحدث من قبل شخص واحد على صورة فعل محدد، فمثلاً اقدام شخص على قتل آخر هذا يعد ارهاقاً للروح ويكيف قانونياً على انه جريمة قتل قد تختلف ظروفها من حادثة لأخرى لتكون قتل خطأ أو عمد أو شبه عمد. وهناك جرائم لا يمكن ان تقوم أو لا يمكن ان يتم ارتكابها من قبل شخص واحد فمثلاً جريمة الزنا تقوم بشخصين هما الرجل والمرأة الفاعلين لتلك الجريمة وهذا بالتأكيد يختلف عن جريمة الاغتصاب. فهناك جرائم يكون الفاعل فيها شخص واحد وجرائم أخرى يجب تعدد الفاعلين فيها لكي تقوم الجريمة. وفيما يتعلق بالجرائم العادية أو البسيطة وهو ما يهمنا هنا فإنه قد يحصل ان ترتكب من قبل عدة أشخاص فمثلاً لو أن شخصاً امسك بآخر ليسهل لزميله طعنه بسكين أو خنجر لأصبح الاثنين قاتلين بلاشك. فماذا لو كان هناك شخص يراقب الطريق وماذا عن من كان يراقب المجني عليه أو من اشترى السلاح؟ فما أود قوله أن هناك علماً قائماً بذاته ضمن القانون الجنائي يعرف باسم المساهمة الجنائية. فالمساهمة الجنائية تعني اشتراك أكثر من شخص في تنفيذ جريمة معينة أو قد تكون جرائم متعددة تشارك وتعدد فيها الفاعلون. وهذه المشاركة تختلف حسب قوتها وفاعليتها في تنفيذ أو اتمام الجريمة. فهناك مساهمة أصلية أي ان المساهم في الجريمة يعد مشاركاً أصيلاً في الجريمة يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي كالمحرض مثلاً. فهو ذلك الشخص الذي خلق الفكرة الإجرامية لدى الفاعل واعطاه المبررات ودعمه نفسياً حتى اقتنع بالفكرة ونفذ الجريمة. هذا يعاقب كل مساهم أصلي بنفس عقوبة الفاعل الأول الذي نفذ ماديات الجريمة. وكلنا نعرف قصة أولئك العشرة الذين تآمروا وقتلوا شخصاً في اليمن في عهد سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقد أصدر عمر حكمه الشرعي والقانوني العادل بقتلهم جميعاً.. وحين اعترض عليه بعض الصحابة قال مقولته الشهيرة التي اصبحت مبدأ في القانون الجنائي والله لو اجتمع عليه أهل اليمن لقتلتهم به. فقد اعتبرهم رضي الله عنه مساهمين أصليين في الجريمة لذلك يأخذون حكم الفاعل المباشر للجريمة. وفي الجانب الآخر هناك ما يسمى بالمساهمة التبعية التي تكون أهميتها ليست بأهمية الفعل الأصلي المكون للجريمة مثل ايواء الجاني بعد ارتكابه للجريمة أو تسهيل هروبه. تلك الاختلافات في وضع المساهم في الجريمة لا تخرجه من المساءلة الجنائية واعتباره مجرماً يجب تطبيق القانون عليه. وفيما يتعلق بجريمة الإرهاب تلك الجريمة البشعة التي ادمت القلوب قبل المدامع.. فإن أي مشارك في تلك الجريمة سواء بالدعم المالي أو النفسي أو بأي وسيلة كانت يعد مشاركاً في جريمة الإرهاب. ومشاركته قد تكون تبعية وقد ترتقي لتكون مساهمة أصلية في الجريمة. ولا يخفى ما للدعم المالي من أهمية كبيرة حيث انه السبب الأصلي - بعد تقدير الله سبحانه - في بقاء مثل تلك التنظيمات حية. لذلك فإن أي مساهمة أو دعم لتلك الجماعات تعتبر مشاركة فيها يعاقب مرتكبها بحسب نصوص الشريعة الإسلامية والقانون. أحببت أن ألقي نظرة سريعة حول هذا الموضوع لما له من أهمية لعله يثري المعرفة القانونية لدينا. هذا والله أعلم. * طالب دكتوراه قانون بجامعة Wollongong _ Australia