صورة برلين في ذهني أنها عجوز أوروبية معقدة التكوين، ولا مكان فيها لجماليات الطبيعة، ربما كانت رواسب المعلومات عن النظام النازي وبعده الشيوعي قد مسحت من هذه الصورة أي ملامح جمالية، لكن ما شاهدته يختلف تماماً.. تماماً.. عمّا كنت أتصوره، بحيث أستطيع أن أسميها حديقة أوروبا وليس ألمانيا فقط الكبرى.. إنها مدينة الاخضرار المذهل وبمساحات شاسعة ومنظمة.. أذكر عندما انهار الجدار العازل بين برلينالغربيةوبرلينالشرقية، وكيف أن المواطنين هم مَنْ فعل ذلك، وليست حزبية شخصية أو فريقاً طائفياً كما هو حال بعض الأوضاع العربية، بحيث تكون إزاحة الجدار إيذاناً بتسلط فئة على أخرى.. الذي حدث هو أنني عندما زرت بون بعد إزاحة الجدار بزمن قصير كان من ضمن برنامج الزيارة تناول طعام العشاء مع رئيس تحرير صحيفة مرموقة هناك، فهمت من المترجم أنه متضايق من فرض ضريبة على كل العاملين في مختلف القطاعات، إذا لم تخنّي الذاكرة فهي تصل إلى ما يقارب الثلث من الدخل، لدعم مشروعات تطوير برلين الخارجة وقتها من قيود التخلف.. المذهل كيف استطاعوا عبر هذا الزمن الوجيز إنجازَ هذا الإبهار المعماري والطبي والعلمي والامتدادات الخضراء المذهلة الاتساع.. مَنْ استمع إلى الكلمات التي ألقاها ما يقارب تسعة رؤساء شركات متخصصة سوف يضيف إلى الجماليات المعمارية والحدائقية والسكنية واقعاً علمياً مذهلاً للغاية.. نعم للغاية.. فقد تحدث أمام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز هؤلاء المتخصصون، ولهم نشاطات عمل في المملكة توضح في جانبنا السعودي أننا نحن أيضاً نقوم بمهمة بناء مجتمع علمي وحضاري جديد.. كلمة نبني.. لا تعني ممارسة تخصصات بسيطة أو متداولة، ولكن تعني استقدام قدرات علمية متميزة وفي مجالات غير موجودة في عالمنا العربي كي تتحول بلادنا بعد سنوات ربما لا تتجاوز الثلاثين إلى مستوى علمي واقتصادي ملتحق بالدول الكبرى، إذا أضفنا إلى ذلك حجم عدد الابتعاث للطلبة، وحجم أهميات مواقع التحديث العلمي والتقني والاقتصادي في الداخل، وأضفنا إلى ألمانيا دولاً تساهم معنا في بناء نموّنا مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند والنرويج واليابان، وعندما نتأمل نوعية التخصصات في مدينة عالية الأهمية في التقدم العلمي نلمس أيضاً أهمية ما سيكون لدينا مستقبلاً من تخصصات نحن مجتمع البادية القديم.. الذين تحدثوا تناولوا قضية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، الصحة والأنظمة العلمية الحديثة، نظام النقل والمواصلات، نظام التعليم والتقنية الحديثة، الطاقة المتجددة والشمسية، الكيمياء الحيوية، أكاديمية العلوم والتقنية في البحوث، المدينة الجامعية الطبية بجامعة الإمام.. وهذا التواجد الألماني العلمي المهم لنا كمجتمع يتم في جامعة الإمام التي كانت الأبعد علمياً عن هذا التوجه الحداثي العلمي والضرورة الاجتماعية القصوى، لكن كل ذلك يعبر عن جزالة وأهمية موكب توجهنا العلمي الضروري إلى الأمام كي نخرج فعلاً من دوائر التعقيد والركود الشرق أوسطي حولنا.. وإذا كانت الأطروحات العلمية في ذروة الأهميات فإن إجراءات واحتفاءات التقدير للأمير سلمان قد طرحت البرهنة العالية على أهميات أن نكون الأقرب عند دول التقدم العلمي والاقتصادي والتقني في واجهة العالم..