أكد عدد من النقاد ل(ثقافة اليوم) قدرة الجائزة على تسويق الأعمال الفائزة بالجوائز.. عطفا على ما تمتلكه الجائزة من إضافات داخلية منطلقها النص الإبداعي، إلى جانب منطلقات خارج إطار النصوص التي تمتد بين قطبي النص المتعدد المفتوح، والقارئ الذي يحاول أن يبحث مرة أخرى عن نص جديد لم تبن ملامحه بعد.. مما يجعل الأعمال الأدبية الفائزة قادرة من خلال الجوائز ليس إلى إعمال حركة ديناميكة في التلقي على عدة مستويات نقدية وانطباعية تبدأ بتوقع الفوز وتنتهي بالشك في الوعي بالقراءة تارة، وتوجس انطباعات التآمر.. وصولا إلى استخدام آخر أقصى درجات الاختلاف مع الجائزة ومانحها.. واللجنة ونتائجها.. ليظل الاختلاف على العمل الفائز والجائزة الممنوحة أولى خطوات الانقسام على مختلف خطوط الفوز كاتبا ومنتجا ومحكما ومانحا وقارئا بدءاً بالقارئ.. وانتهاء به.. قارئا وناقدا. وصف الدكتور سحمي الهاجري، العمل الفائز بجائزة ما بمثابة الهائلة التي تنشأ حول القمر وليست جزءاً منه، مشيراً إلى أن الجائزة تتحول إلى هالة من الصناعة الإعلامية حول العمل الإبداعي، والتي قد تنشأ منها عدة هالات أخرى في ظل الاختلاف مع العمل الفائز، نتيجة لما يلحق بالفوز من اختلاف المتابعين حول فوزه، مؤكدا أن هذا مما يزيد أعداد الملتفتين إلى العمل الفائز، وتحرض آخرين من القراء إلى الإقبال عليه. وقال الهاجري: هناك تعددية للنص قد لا تظهر للقارئ، فالنصوص الإبداعية، والأخرى النقدية، من البديهي انطوائها على قراءات متنوعة، منها ما هو أفقي سطحي، ومنه ما هو رأسي عميق يزداد عمقا كلما ازدادت رأسية القراءة عمقا، كما أن الأعمال الفائزة بجوائز معينة تكتسب لم يسبق أن ظهرت للقارئ، ومن هنا تشكل الجائزة للعمل بؤرة ينبثق منها نص آخر لدى القارئ، ويتشكل من خلالها دوائر تتسع بمساحة القراء الذي يدفعه الفضول ممن سبق لهم قراءة العمل، ودوائر أخرى من قراء دفعه فضول المعرفة تجاه هذا العمل الذي ربما لا يكون معروفاً لديهم من قبل، ولا يعيب العمل هذا، فشريحة من القراء اليوم قد لا يسعفهم الوقت لتتبع الحركة الإبداعية. وأضاف الهاجري بأن العمل الفائز بالنسبة لعامة القراء بمثابة وضع اليد على العمل الذي يستحق أن يقرأ ضمن الأعمال المقروءة، مشيرا إلى أن هذا بمثابة اختصار وقت القارئ الذي يبحث عن كتاب جيد يستحق القراءة، ومن قبيل (غيرك خدمك) مؤكدا على أن الجائزة محرض نوعي للقراءة لمن لم يقرأ العمل ليقرأه، ولمن قرأ العمل بأن يعيد النظر فيه تارة أخرى، موضحا بأن هناك شريحة أخرى من القراء الذين لن يفاجئهم فوز عمل ما بجائزة طالما قرأوه بوعي ورأسية وفهم. أما عن ما قد يحدث من شك لدى القارئ المختلف على فوز عمل بجائزة، فقد أكد الهاجري بأن هناك عدداً من الاعتبارات العقلية والمنطقية والعلمية التي لا يمكن التهاون بها أو الاختلاف حولها كثيرا، وفي مقدمة ذلك يذكر الهاجري الجهة المانحة للجائزة، إلى جانب مستواها بين الجهات المانحة للجوائز، إضافة إلى توجه الجهة المانحة للجائزة، وما لدى جهة الجائزة من محكمين محترفين ..مختتما حديثه بأن الأعمال الفائزة غالبا ما تلفت إليها الأنظار، فالجائزة قادرة على أن تعطي العمل ظهورا أكثر، وانتشارا أوسع، إلى جانب ما قد تضيفه للعمل من جعله بصمة بارزة تكون بمثابة التحول لدى ما يتبعه من نصوص متجانسة. أما الناقد والشاعر الدكتور صالح الزهراني فيرى بأن رؤيتنا إلى الأعمال الفائزة بجوائز تختلف في منطلقاتها الفردية من قارئ إلى آخر، مشيرا إلى أن الحديث عن مواقفنا تجاه هذه الأعمال لا يمكن أن نصدر عنه رؤية كلية جامعة، معللاً ذلك بكونه يحيل إلى الفردي وهو القارئ، وما يشكل أفق توقعاته تجاه المنجز الإبداعي الفائز. د. صالح الزهراني وعن القارئ وما يسكنه من توقعات وتنبؤات وردود أفعال تجاه العمل الفائز، أشار الزهراني، إلى أن هناك قارئاً باحثاً عن الحقيقة، فتأتي الجائزة محفزا له لمزيد من التأمل والاكتشاف، موضحاً هذه الحالة التأملية التي تعاود القارئ وتحرضه على مكتشفات في النص لم تقع تحت ناظريه، ولم تدر بساحة أفكاره، مما يفرضه هذا الفوز من انطباعات لدى القراء، عطفاً على ما ستمليه عليهم الجائزة التي ستقول لهم بشكل لا يمكن إغفاله: إن لهذا العمل الأدبي خبايا لم تقف عليها. وقال صالح: فوز العمل الإبداعي وخاصة بجائزة ذات قيمة مما يفرض على القارئ العودة والمحاولة مرة أخرى لمن قرأ تلك الأعمال، بحثا عن اكتشاف كنه ذلك العمل، وقراءته مرة أخرى بدافعية مختلفة، وبحرص يتلمس مكامن الفوز الذي استطاع أن يحصده العمل الفائز. أما عن نمطية القارئ تجاه العمل الأدبي الفائز بجائزة، وردود أفعاله تجاه المؤلف والمنتج الأدبي وصولا إلى اللجنة المحكمة للأعمال، وربما الجهة المانحة للجائزة فأوضح الزهراني بان هناك قارئاً نمطياً، وصفه بالمتوجس، الذي يمتلك ومتشكل لديه أحكام مسبقة، مؤكدا أن حصول العمل الإبداعي على الجائزة، لا يشكل لدى هذا النوع من القراء سوى نافذة لمزيد من التوجس والاتهامات الجاهزة ،التي يسعى من خلال الجائزة إلى إثبات صحة أوهامه، فالعمل الذي فاز بالجائزة يؤكد المؤامرة، والتنظيمات الثقافية التي تقوم إلى تلميع الفساد ونشر ثقافته. ومضى صالح في حديثه متحدثا عن ماهية القارئ مؤكدا على أن كلا القارئين موجود في حياتنا الثقافية، مشيرا إلى أن الموقف من المؤلف هو مصدر الوعي بالجائزة وتحديد الموقف منها. وختم الزهراني حديثه مستدركا بأن الوعي الخلاق هو الذي يستشرف المستقبل ويتوقع الجائزة قبل حصولها، معللاً هذا الاستشراف ومنطلقات توقعات القارئ بما يمتلكه من حس وإحساس بما يقرأ مما يجعل القارئ حاذقا مشغولا بالفن، عطفا على ما يمتلك من الأدوات التي تمكنه من إدراك الجمال، والقدرة على التعبير عن إدراكه. وأمام مد تعددية النص وجزر انطباعات القارئ تجاه عمل يحقق فوزا فيما بعد يقول الأديب محمد بن مريسي الحارثي بأن هناك منطلقات يمكن تصنيفها إلى منطلقات تنطلق من داخل ما يحمل العمل الفائز من نصوص، وأخرى تنطلق من خارج ذلك العمل، منبهاً إلى الأخذ بما تتمثل فيه تلك الجائزة مما تفرضه من شروط أو فيما يكون متعارفا لديها وسائدا عنها في التعامل مع الأعمال المرشحة للفوز عطفا على رؤية الجهة المانحة للجائزة، موضحاً مريسي ما تمثله الجوائز في عموها بمختلف مستوياتها من الالتقاء حول أهداف يأتي في مقدمتها: تقريب المسافات بين أصحاب العلم والفن الواحد، إضافة إلى التعرف الإبداعي، إلى جانب التقريب والتقارب بين الفنون الإبداعية ومبدعيها، وتوجيه الناس إلى الأعمال الأجود قيمة بين جيد الأعمال الإبداعية الأدبية المختلفة. د. سحمي الهاجري وقال الحارثي: بعد هذا التصور فعندما يجد القارئ نفسه أمام هذا العمل أو ذاك فائزا، فهنا ينشأ ما يمكن تسميته بالاسترجاعية لانطباع مسبق تشكل لدى القارئ مسبقا، وقد يكون هذا الانطباع عائدا إلى ما سمعه الشخص لا إلى قراءة لذلك العمل، الأمر الذي يجعل من عملية الاسترجاع إسقاطا يسقطه من قرأ أو سمع عن العمل الفائز إما إيجابا أو سلبا وكلاهما نسبي الحدوث بين قارئ وآخر. وفيما يتعلق بقدرة الجائزة التسويقية فقد صنفها مريسي إلى وسيط تسويقي مادي هدفه الربحية من وراء العمل دون الاهتمام بجانب المنتج المعرفي، وتسويق إبداعي يراعي جوانب القيمة المعرفية، وما يمثله المنتج من إضافة في منظومة جنسه الإبداعي، واصفا هذا النوع من التسويق بالمصداقية عطفا على اهتمامه بجودة المضمون ونوعية المعرفة، وجدة الأفكار وجديدها. من جانب آخر وصف أستاذ النقد الأدبي الحديث بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض، الدكتور صالح زياد، قراءة العمل الأدبي واستحسانه أو استهجانه بشكل مبدئي ممارسة ذاتية فردية، معيدا المحك فيها إلى مزاجية القارئ واستعداده وتكوينه الثقافي.. منبها إلى ما تحدثه قراءة الآخرين للعمل ومدحه أو ذمه من أثر على تلقي القارئ، معللاً هذا التأثر بأن تلك الآراء قادرة على أن تصنع لذلك القارئ مناخا تليق بكيفية محددة، ولها صفات أولئك المادحين له أو القادحين فيه عند القارئ.. عطفا على كون التلميذ ينصاع لذوق أستاذه، والقارئ ذو الثقافة المتواضعة يرى في رأي غيره ممن يعتقد فيهم القوة والمتانة والمعرفة نموذجاً ودليلاً. وقال زياد: الجوائز هي نوع من المديح للأعمال الأدبية التي تفوز بها والتزكية لها، ولهذا ترتفع مستويات الأعمال الفائزة لدى القراء في مستوى القيمة الفنية والدلالية، لأنها لو كانت ضعيفة لما فازت! هذا هو الافتراض الأولي الذي يكيف وجهة النظر تجاه الأعمال الأدبية. وفعلاً فإن مساحة قراء الفائزين بجائزة نوبل - مثلاً- اتسعت وتضاعفت أضعافاً مضاعفة. وبعض الجوائز الشهيرة في العالم لا تقدم مبالغ مادية للفائزين بها، وذلك مثل جائزة جونكور في فرنسا، ولكنها عظيمة الأهمية للكُتَّاب ولدور النشر بسبب ما تؤدي إليه من انتشار العمل الفائز واتساع دائرة توزيعه. د. صالح زياد ومضى زياد موضحا هذا الجانب بأنه لا يعني مقابل الفوز بأنه لا قيمة للأعمال ولا للأدباء الذين لم يفوزوا بجوائز كبرى، كما لا يعني أن الفائزين بالجوائز هم دائماً الأفضل والأجدر.. مشيرا إلى أن هناك أدباء كباراً في عالمنا العربي وفي العالم يحظون بمقروئية عالية، ولم يفوزوا بجوائز لا محلية ولا عالمية.. مؤكدا على أن هناك فائزين بجوائز كان فوزهم بها انتقاصاً للجائزة نفسها ودلالة على انعدام قيمتها الفنية والأخلاقية لأنها غير نزيهة. أما عن تحول العمل الفائز لدى القارئ قبل الفوز وبعده فقال زياد: إن تحول قيمة الأعمال لدى قارئ بعينه قبل الجائزة وبعدها وارد، وسبب ذلك يعود إلى مسافة الانفصال عن العمل وتغير الزمن الذي يغدو من دلائل تغيره الفوز بالجائزة. وهذا يعني أن القارئ للعمل لم يعد هو ذلك الذي قرأه قبل الجائزة، فقد دخل إلى وجهة نظره في العمل متغير جديد. وهذا المتغيِّر يصنع تأثيراً في القراءة وينتج من الدلالة والقيمة ما لم تنتجه القراءة الأولى.