هل ادليت بصوتك في الانتخابات البريطانية التي جرت يوم 5 مايو؟ انه ليس بسؤال غريب كما يبدو . ففي كل حفل عشاء حضرته خلال الاسبوعين الماضيين كان احد الضيوف السعوديين يحدثني عن الاقتراع في هامبستيد أو تشيلسي ، ريتشموند أو أيسلينجتون . وقد تحقق الفوز في المنافسة في الانتخابات العامة لهذا العام بفارق ضئيل بلغ اربعة اصوات ، ربما كان بوسع المرشح الخاسر تغيير النتيجة لو انه قام بالترويج لحملته في الرياض بشكل اقوى قليلا. لقد مرت السياسة البريطانية بمرحلة بالغة الأهمية في الأسابيع القليلة حيث انها المرة الأولى منذ السبعينيات التي لم يحصل فيها حزب بريطاني واحد على الغالبية المطلقة من المقاعد في البرلمان ، ولكسب الاصوات في مجلس العموم اضطرت الاحزاب الى اللجوء للائتلاف . عقب أربعة أسابيع من حملات انتخابية حامية الوطيس قام خلالها كل حزب بتعريض سياسات الاحزاب الاخرى الى تدقيق وتمحيص شديدين ، لن يكون من السهل تنحية الخلافات الحزبية جانبا . ولكن بعد خمسة أيام من المفاوضات المكثفة كلفت الملكة السيد ديفيد كاميرون بتشكيل الحكومة، وقد وضع رئيس الوزراء الجديد مسألة انتعاش الاقتصاد البريطاني في قلب برنامج الحكومة وعين حوله فريقا من الموهوبين ومن ذوي الخبرة . كما تم تعيين زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي ، السيد نيكولاس كليغ ، نائبا لرئيس الوزراء وعين السيد وليام هيج وزيرا للخارجية. يذكر أن السيد هيج كان الناطق باسم حزب المحافظين للشؤون الخارجية لمدة أربع سنوات وكان يرتاد الشرق الاوسط بزيارات منتظمة . وقد اوضح بالفعل انه يعتبر المملكة العربية السعودية شريكا استراتيجيا في غاية الاهمية بالنسبة لبريطانيا وتحدث بهذا الشأن مع سمو الأمير سعود الفيصل مساء يوم الثلاثاء ، عين السيد اليستير بيرت وزيرا بمسؤولية خاصة عن العلاقات مع الشرق الأوسط ، وهو محام وواحد من النواب المحافظين الاطول خدمة في مجلس العموم . ماذا يعني كل هذا؟ إنها الخاصية الاستثنائية التي تغلف العملية الديمقراطية البريطانية التي تجمع بين التغيير الهائل والاستمرارية الموثوقة . من الواضح جدا ان التغيير قد لحق برئيس الوزراء وبالحكومة . لكن المصالح البريطانية مستمرة ، لاسيما في الشؤون الدولية ، وعلى الاخص في منطقة الشرق الاوسط حيث ان بريطانيا تريد حلا عادلا ودائما للصراع العربي - الإسرائيلي ، وتريد للعراق الاستقرار والامن، وتريد لليمن ان يتخلص من مشكلة القاعدة وفكرها المنحرف وتريد من ايران ان تتصرف بمسؤولية وشفافية مع جيرانها وكذلك بشأن برنامجها النووي . سوف يتوجه عشرات الآلاف من المواطنين السعوديين في الشهور القليلة القادمة إلى المملكة المتحدة لقضاء عطلة الصيف ، للتعليم ، أو للعمل ، وسوف يجدون بريطانيا على حالها كما عهدوها . للأسف لا يوجد سياسي قادر على تحسين الاحوال الجوية. وسوف تبقى بريطانيا البلد الأكثر تسامحا ونشاطا وابتكارا واهتماما بالنواحي الثقافية في أوروبا. انها مرحلة رائعة من مراحل السياسة البريطانية . ومهما كان الحزب الذي صوت له في الخامس من مايو ، فان العلاقات التاريخية والاقتصادية والثقافية التي تربط بين بلدينا سوف تستمر وتدوم . * القائم بالأعمال بالسفارة البريطانية في الرياض