يحظى ساجد جاويد (40 سنةًً) وهو ابن سائق حافلة هاجر من باكستان إلى بريطانيا منذ خمسين سنةً، بفرصة كبيرة ليصبح أول نائب مسلم في البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين خلال الانتخابات العامة التي ستجرى في 6 أيار (مايو). جاويد مرشح في دائرة «برومسغروف» التي فازت بها النائبة المحافظة المنتهية ولايتها جولي كيركبرايد في انتخابات عام 2005 بنسبة 52 في المئة من الأصوات، متقدمة على مرشح حزب «العمّال» الذي حاز حينها على 34 في المئة من الأصوات. يعمل جاويد مصرفياً وقد أضحى أول شخص في تاريخ بنك «تشيز مانهاتن» يعيّن في منصب نائب رئيس البنك ولم يكن عمره تعدى 24 سنةً. وانتقل بعد ذلك، عام 2000، للعمل في مصرف «دوتش بنك» حيث أصبح رئيس مجلس إدارته. دعم جاويد حزب المحافظين على مدى حوالى عشرين سنةً ومنذ الأسبوع الأول على انضمامه إلى جمعية الطلاب المحافظين في جامعة «إكسيتر». كما من المرجح أن تصبح المحامية شعبانة محمود (29 سنةً) أول نائب مسلمة في البرلمان البريطاني في حال فوزها في الانتخابات العامة. فهي مرشحة عن حزب «العمّال» في دائرة «لايديوود» في برمنغهام. أعيد انتخاب كلير شورت الوزيرة السابقة لشؤون التنمية الدولية نائباً عن حزب «العمّال» في هذه الدائرة عام 2005 بعد أن حازت على 52 في المئة من الأصوات يليها المرشح الديموقراطي الليبرالي الذي حاز على 31.5 في المئة من الأصوات. وتصل نسبة السكان المسلمين في دائرة «لايديوود» في برمنغهام إلى 30 في المئة. يشكّل كل من ساجد جاويد وشعبانة محمود مثالاً على انخراط شباب المجتمع البريطاني الذي يضمّ حوالى مليوني مسلم في السياسة. ولا يزال المسلمون غير ممثلين كما يجب في مجلس العموم. فنظراً لكونهم يشكلون 3.3 في المئة من الشعب البريطاني الذي يقارب عدده 61 مليون نسمة، فيجب أن يحظوا ب21 نائباً مسلماً في البرلمان. ثمة حالياً أربعة نواب مسلمين فحسب، كلهم من الرجال وينتمون إلى حزب «العمّال». أصبح أنس سروار أول مسلم يشغل مقعداً نيابياً بعد فوزه في الانتخابات العامة التي أجريت عام 1997 مع العلم أنه تقاعد حالياً من منصبه. وقد ترشح نجله أنس وهو طبيب أسنان يبلغ من العمر سبعاً وعشرين سنةً عن حزب «العمّال» في دائرة «غلاسكو» الوسطى في اسكتلندا التي فاز فيها والده. (ومن منافسي أنس، أسامة سعيد الشاب المسلم المرشح عن الحزب الوطني الاسكتلندي). وفي انتخابات 2001، وصل خالد محمود إلى البرلمان وهو ثاني نائب مسلم عن حزب «العمّال». وفي 2005، تمّ انتخاب صادق خان وشهيد مالك. فأضحى مالك أول وزير مسلم بعدما عيّن في منصب وزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية الدولية عام 2007. وبات صادق خان من جهته أول مسلم عضواً في الحكومة بعدما عيّن في العام الماضي في منصب وزير دولة لشؤون النقل. يحظى المسلمون بأهمية متزايدة كمرشحين وكناخبين. فيمكن أن تكون أصوات المسلمين مهمّة في حال بدت نتيجة الانتخابات متقاربة جداً بين الأحزاب. وحتى بداية هذه السنة، بدا فوز المحافظين بأكثرية مريحة محتّماً غير أن استفتاءات الرأي أشارت إلى تراجع الفارق بين الحزبين الأساسيين في شكل كبير مظهرة تقلّص تقدم حزب المحافظين على حزب «العمّال» إلى نقاط قليلة. وقد يؤدي فارق بسيط مماثل بين الحزبين إلى نشوء «برلمان معلّق» لا يحظى أي حزب فيه بأكثرية مطلقة. يطلق المجتمع المسلم مبادرات متعددة بهدف رفع عدد المسلمين الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات. ويعارض عدد قليل من المجموعات المسلمة في بريطانيا التصويت في الانتخابات باعتبار أنها غير إسلامية ومن بينها حزب «التحرير» وجماعة «المهاجرين» المحظورة قانونياً وخلفاؤها مثل «إسلام فور يوكي» التي حُظرت في بداية هذا العام. وأعلن جايمس براندون، رئيس دائرة الأبحاث في مؤسسة «كويليام» وهي منظمة تعنى بالأبحاث وممولة من الحكومة ومناهضة للتطرف لصحيفة «الحياة»: «من المشجع رؤية هذا العدد الهائل من المنظمات الإسلامية التي تدعو المسلمين البريطانيين إلى الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة بدءاً من المنظمات السلفية وصولاً إلى المنظمات غير الدينية». وأضاف براندون: «على رغم أنه من المؤسف أن تدعو هذه المجموعات المسلمين للإدلاء بأصواتهم إلى جانب الخطوط الإثنية والدينية، تعتبر هذه الحماسة المتزايدة من أجل الانتخابات دليلاً على أن المسلمين باتوا أكثر انخراطاً في العملية السياسية البريطانية كناخبين وكمرشحين على حدّ سواء». وتمّ حديثاً إطلاق مشروع جديد بعنوان «يو إلكت» (أنت ننتخب) يهدف إلى «تشجيع المجتمع المسلم وإطلاعه ومساعدته على التصويت في الانتخابات العامة المقبلة». وأشار منسق هذا المشروع إسماعيل باتل إلى «أننا نصبو إلى المساعدة على جعل العملية الانتخابية أكثر سهولة من خلال تزويد الأفراد بالأدوات اللازمة التي تمكنهم من اتخاذ قرارات واعية عند الإدلاء بأصواتهم». يقدّم الموقع الإلكتروني لمشروع «يو إلكت» السير الذاتية لحوالى 300 مرشح في أكثر من 90 دائرة انتخابية مهمّة. كما أنه يقدّم معلومات تتعلق بكل دائرة انتخابية مثل نشر نتائج انتخابات عام 2005 وتحديد نسبة الجالية المسلمة والعدد المتوقع من الناخبين المسلمين. كما أطلق «يو إلكت» حملة من أجل تسجيل الناخبين المسلمين. ومن بين المبادرات الإسلامية الأخرى نذكر الموقع الإلكتروني ل «غيت آوت أند فوت» (اخرج وصوّت) التي تحظى بدعم عدد من الأئمة فضلاً عن الموقع الإلكتروني ل «انغايج» (شارك) الذي يعزّز الوعي الإعلامي والمشاركة السياسية والانخراط المدني في أوساط المسلمين البريطانيين. وأطلقت لجنة الشؤون العامة الإسلامية في المملكة المتحدة عملية التصويت الإسلامي بحيث يعمل أعضاء هذه اللجنة في شكل فاعل فيتوجهون إلى الدوائر الانتخابية ويزورون المساجد والمراكز الإسلامية فيها ويوزعون المناشير ويحيون نقاشات حيوية. وتعتمد لجنة الشؤون العامة الإسلامية في المملكة المتحدة مقاربة المواجهة. أما موقعها الإلكتروني فهو بمثابة صحيفة مصغرة تتميز بألوان زاهية وعناوين رئيسة صارخة. وورد في مقال نُشر على موقع لجنة الشؤون العامة الإسلامية في المملكة المتحدة ما يأتي: «حان وقت الانتخابات، فأي نوع من المسلمين الحمقى أنت؟ هل أنت مسلم من النوع الذي يقول «أنا أحمق وكسول بما فيه الكفاية كي أصوّت» أو «أنا أحمق وأنتخب دوماً حزب «العمّال» مهما كانت الطريقة التي يعاملني بها في ما بعد» أو «أنا أحمق وأظن أنني سأذهب إلى الجحيم إن صوّتُ ضد الحرب؟». يعتبر المجتمع الإسلامي في بريطانيا متعدداً لجهة عدد البلدان التي يتحدر أفراده منها ونوع الممارسات الإسلامية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية. فلا وجود ل «تصويت إسلامي» بالإجمال. يأخذ الناخبون المسلمون مجموعة من العوامل بعين الاعتبار عندما يقررون هوية الشخص الذي سيصوتون لمصلحته. كان المسلمون يميلون في الماضي إلى دعم حزب «العمّال» إلا أن هذه العلاقة تقوّضت بسبب اجتياح العراق وبسبب عوامل أخرى متعلقة بالسياسة الخارجية وببعض الإجراءات المناهضة للإرهاب التي تستهدف المسلمين. إلا أن المحافظين أيضاً دعموا اجتياح العراق ويأخذون مواقف حازمة حيال مسائل متعددة مثل مسألة الهجرة. أدى الغضب العارم إثر اجتياح العراق ببعض المؤيدين السابقين لحزب «العمّال» بالتخلي عن هذا الحزب في انتخابات عام 2005 فيما صوّت البعض الآخر لمصلحة الديموقراطيين الليبراليين. وقد اختار بعض المسلمين الآخرين الانحياز إلى حزب «الاحترام» الذي تأسس عام 2004 على أنه حزب مناهض للحرب على يد عدد من المجموعات الإسلامية واليساريين لا سيما حزب «العمّال الاشتراكي». يعتبر حزب «الاحترام» الحزب الوحيد المرشح للانتخابات الذي يحظى بزعيمة مسلمة كفوء تدعى سلمى يعقوب. إلا أن حزب «الاحترام» قد ضعف بعد انشقاقه عام 2007 مع العلم أن وجوده يقتصر على بعض الدوائر الانتخابية فقط. حققت سلمى يعقوب نتيجة رائعة في انتخابات عام 2005 عندما كانت مرشحة عن حزب «الاحترام» في دائرة «سباربروك وسمول هيلث» في برمنغهام حيث تصل نسبة السكان المسلمين فيها إلى 49 في المئة. واحتلت المركز الثاني بعد مرشح حزب «العمّال» وقلّصت أكثرية الأصوات التي سبق وحاز عليها النائب عن هذا الحزب روجر غودسيف من 16 ألفاً إلى حوالى 3 آلاف صوت. وبعد حصول تغييرات في حدود الدوائر الانتخابية في مدينة برمنغهام، لم تعد «سمولبروك» موجودة لأنها انضمت إلى دائرة «هول غرين» في برمنغهام حيث تصل نسبة المسلمين فيها إلى 35.7 في المئة. والجدير ذكره أن سلمى يعقوب هي مرشحة عن حزب «الاحترام» وتتنافس مجدداً مع المرشح غودسيف. من غير المستغرب أن يترشح بعض المسلمين ضد بعضهم بعضاً عن مختلف الأحزاب. والدليل على ذلك هو تنافس أربعة مرشحين مسلمين مع بعضهم بعضاً في دائرة «بيثنال غرين وبو»، شرق لندن. فاز النائب الأسبق عن حزب «العمّال» جورج غالواي الذي طرد من الحزب بسبب معارضته الشديدة لاجتياح العراق في دائرة «بيثنال غرين وبو» لمصلحة حزب «الاحترام» عام 2005 مطيحاً بذلك بالمرشحة اليهودية عن حزب «العمال» السوداء اللون أونا كينغ التي حظيت بعدد قليل من الأصوات بلغ 823 صوتاً. فقد حظي بدعم أكثر من 39 في المئة من السكان المسلمين في الدائرة مع العلم أن معظمهم من بنغلادش. يترشح غالواي حالياً عن حزب «الاحترام» في الدائرة المجاورة «بوبلار ولايمهاوس» حيث يأمل في إلحاق هزيمة بمرشح حزب «العمّال» النائب جيم فيتزباتريك. أما مرشح حزب «الاحترام» في دائرة «بيثنال غرين وبو» فهو أبجل مياه، فيما روشانارا علي مرشحة عن حزب «العمّال» وأجمل مسرور مرشح عن حزب الديموقراطيين الليبراليين وفريد بخت مرشح عن حزب الخضر. وفي حال نجحت روشانارا علي في الفوز بالمقعد لمصلحة حزب «العمّال» فقد تنضم إلى عدد متوقع من النائبات المسلمات اللواتي ينتمين إلى هذا الحزب بمن فيهم شعبانة محمود المرشحة في دائرة «لايديوود» في برمنغهام. ويبدو مؤكداً فوز المحامية الجنائية ياسمين قريشي في دائرة «بولتون ساوث إيست» حيث حاز حزب «العمّال» على نسبة 57 في المئة من الأصوات عام 2005. كما يبدو أن مريم خان تحظى بفرصة كبيرة للاحتفاظ بمقعد حزب «العمّال» في دائرة «بوري نورث» فيما يحتمل أن تفوز سونيا كلاين بدائرة «إيلفورد نورث» التي خسرها حزبها لمصلحة المحافظين عام 2005. وعلى رغم أن المحافظين لا يحظون حتى الآن بنواب مسلمين تابعين لهم فإن أكثر سيدة سياسية مسلمة شهرة في البرلمان تنتمي إلى حزب المحافظين. إنها البارونة التي لم يتم انتخابها سعيدة وارسي والتي عيّنها المحافظون في مجلس اللوردات عام 2007 حتى تصبح وزيرة ظل لشؤون التماسك والعمل الاجتماعي. بذل المحافظون جهوداً حثيثة لضمان انتخاب عدد من النواب المحافظين المسلمين. ولفت نائب رئيس مجلس إدارة «المنتدى الإسلامي المحافظ» محمد أمين لصحيفة «الحياة» إلى أنه «تمّ اختيار أربعة عشر مرشحاً مسلماً حتى الآن عن حزب المحافظين في الانتخابات العامة المقبلة وبينهم خمس نساء. فقد يتمكن ثلاثة أو أربعة من المرشحين المسلمين عن الحزب المحافظين من الفوز إن سارت الأمور كافة على ما يرام». واعتبر المرشحون المسلمون المحافظون أنهم يحظون بفرصة الاستيلاء على مقاعد يشغلها نواب من حزب «العمّال» بمن فيهم ريهمان تشيستي في دائرة «غيلنغهام وراينهام» وزهيد إقبال في «برادفورد ويست» وألوك شرما في دائرة «ريدينغ ويست» وعديلة شافي في دائرة «بريستول إيست».ويملك الديموقراطيون الليبراليون 17 مرشحاً مسلماً بمن فيهم أربع نساء. ويعتبر الحزب أنه لا يزال يجذب الناخبين المسلمين. وقال متحدث باسمهم: «في ما يتعلق بالسياسة المناسبة، من الواضح أن حزب «العمّال» مسؤول عن عدم فوز المرشحين من المجتمع الإسلامي وذلك بسبب التباهي بالحريات المدنية وإرساء برامج غير مجدية ومضرة على غرار الاستراتيجية الوقائية». يسأل محرر صحيفة «ماسلم نيوز» أحمد ج فارسي زعيم الحزب الديموقراطي الليبرالي نيك كليغ في مقابلة عن سبب عدم اختيار حزبه مرشحين مسلمين في المقاعد التي يمكن الفوز بها فأجاب: «أننا نملك مرشحين في مواقع قوية ينظّمون حملات ضد حزب «العمّال» الذي لم يعد يحظى بشعبية كبيرة». إلا أن كليغ أقر بأن حزبه «أبيض بالكامل ويضم رجالاً فقط» مضيفاً «يسرني أن أستقبل مرشحين من المجتمعات الإسلامية». * صحافية بريطانية