يقولون عن العمارة: إنها موسيقى متجمدة.. ونقول عن الأغنية إنها موسيقى متحركة مركبة.. فإذ يغنى الشعر لا يعود مجرد شعر، بل تصبح له حكاية أخرى، دخل في نسيجها - بالإضافة للكلمات، اللحن والصوت الجميل.. صارت لها شخصية مستقلة.. وأصبحت مركبة من عدة فنون كمخلوط العطر المؤلف من عدة عطور بحيث تصبح رائحته ساحرة جامعة وأحياناً مدهشة حسب جودة العطور المخلوطة، وكذلك الأغنية التي لها ثلاثة أركان أو تخلو من عطور ثلاثة هي: 1- الكلمات الشاعرية. 2- اللحن المنسجم مع الكلمات والمضفي أبعاداً على خيال الشاعر. 3- الصوت الجميل الذي يصدح بهذه الكلمات الشاعرية ويعطيها احساساً من احساسه فوق ما فيها، وبتجاوب مع اللحن الذي يقظم أبعادها، هنا لا تعود الأغنية مجرد شعر، يصير لها شخصية مختلفة مكتملة مختلطة تشبه الوردة وعطرها والقمر ونوره، ومخلوط العطر وفوحه الزكي. وهذا الكلام إنما ينطبق على الأغاني التي كلماتها شاعرية، وألحانها مبدعة، وأصوات مطربيها جميلة موحية، فهي تصبح جزءاً جميلاً متكاملاً كالألماسة وبريقها لا يمكن الفصل بينهما. وقد حظي شعرنا العربي والشعبي بإقبال شديد من عمالقة الملحنين وكبار الشعراء المبدعين مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد ومحمد عبده وطلال، ومن الشعراء على سبيل المثال الأمراء عبدالله الفيصل وخالد الفيصل وبدر بن عبدالمحسن ومحمد الأحمد السديري وغيرهم كثير ومن الفصيح أبو فراس الحمداني وأحمد شوقي وكامل الشناوي وسعاد الصباح وغيرهم كثير، ومن الملحنين رياض السنباطي وعبدالوهاب وبليغ ومحمد عبده وطلال وفوزي محسون وغيرهم أيضاً كثير. ونقدم الآن نماذج من الشعر المغنى الذي رددته الأجيال. (من قصيدة الأطلال) ناجي أم كلثوم - السنباطي: يا فؤادي لا تسل أين الهوى كان صرحاً من خيال فهوى كيف ذاك الحب أمسى خبراً وحديثاً من أحاديث الهوى *** لست أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناداة رقيق ويد تمتد نحوي كيد من خلال الموج مدت لغريق وبريق يظمأ الساري له أين من عينيك ذياك البريق؟ *** يا حبيباً زرت يوماً أيكه طائر الشوق أغني ألمي لك ابطاء المدل المنعم وتجني القادر المحتكم وحنيني لك يكوي أضلعي والثواني جمرات في دمي *** أعطني حريتي اطلق يديا انني أعطيت ما استبقيت شيّاً آه من قيدك أدمى معصمي لِمَ أبقيه وما أبقى عليا ما احتفاظي بعهود لم تصنها وإلام الأسر والدنيا لديا *** أين من عيني حبيب ساحر فيه عز وجلال وحياء واثق الخطوة يمشي ملكاً ظالم الحسن شهي الكبرياء عبق السحر كأنفاس الربا ساهم الطرف كأحلام المساء؟ (لو وفيت) خالد الفيصل - محمد عبده لو وفيت وجيت يوم زرتني لو صدقت أفنيت عمري في هواك لو سمحت بنظرتك وأمهلتني احضن اعيونك بقلب ما نساك لو لمست الوجد بي ولعتني واهتديت بنور قلبي وافتداك لو نظرت بعين قلبك شفنتي ما معي مخلوق يستاهل غلاك ليتك من الحب ما خوفتني كان أعيش الفين عام في رضاك يا قليل الحظ لو رغبتني كان أخجل كل بدر من ضياك (لا تنتقد خجلي الشديد) سعاد الصباح - نجاة الصغيرة لا تنتقد خجلي الشديد فإنني بسيطة جداً وأنت خبير يا سيد الكلمات هب لي فرصة حتى يذاكر درسه العصفور خذني بكل بساطتي وطفولتي أنا لم أزل أحبو وأنت قدير من أين تأتي بالفصاحة كلها وانا يتوه على فمي التعبير انا في الهوى لا حول لي أو قوة ان المحب بطبعه مكسور يا هادي الاعصاب انك ثابت وانا على ذاتي أدور.. أدور الأرض تحتي دائماً محروقة والأرض تحتك مخمل.. وحرير فرق كبير بيننا يا سيدي فأنا محافظة وانت جسور وأنا مقيدة وانت تطير وانا مجهولة جداً وأنت شهير (يا جر قلبي) شعر الدجيما.. غناها كثيرون يا جر قلبي جر لدن الغصون وغصون سدر جرهّ السيل جرا على الذي مشيه تخط بهون والعصر من بين الفريقين مرا لا والله اللي بالهوى هو جروني هجر به الحيلات عيت تسرا لا مبعد عنهم ولا قربوني ولا عايف منهم ولاني مورا ياليتهم بالحب ما ولعوني كان ابعدوا عني بخيرا وشرا (بلابل وغربان) والطيور على أشكالها تقع في الغالب العام: فالصوت الرائع والملحن الأصيل يجذبهما الشعر الرائع. أما أنكر الأصوات فتنهق بأقبح الكلمات ولهذا تأثير سيىء على الذوق العام. ويظل الشعر بشقيه الفصيح والشعبي حياً في كل زمان ومكان، لأنه جزء من شعور الإنسان، وإنما نابت الأغاني في زماننا هذا عن انتشار الدواوين بكثافة كما كان سابقاً، ولبت مشاعر الناس، وسارت بالشعر بين الشباب.