أصعب ما يواجهه الأطفال في حياتهم، هو مشاهدتهم لخلاف يحدث بين والدهم ووالدتهم، فيرقبون الأب القاطب الحاجبين، فيما يلاحظون صمت الأم الطويل، وربما احتباسها للدموع داخل عينيها، فيقبل الصغار ليقوموا دون وعي منهم في تلطيف الأجواء بالتقرب إلى الأم وربما إعطائها القبلات الحانية، في حين يستخدمون الأسلوب اللطيف أيضاً في تهدئة الأب الغاضب. وبتلك العبارات البريئة يدخل الأطفال إلى قلوب الكبار، ليفتحوا جميع النوافذ الموصدة، فيحل التسامح في نفوس الزوجين، ويبدأون في الاستسلام والسماح فيما بينهما، وقد لاحظ الكثير من الأزواج بأن الخلافات الزوجية اليومية في تفاصيل الحياة تحدث لكنها سرعان ما تزول، حينما يكون هناك أطفال في البيت يملأون الحياة بهجةً وسروراً، فالطفل يكره أن يشاهد قصة خلاف أبويه، لكنه حتماً يحب أن يقوم بدورأفضل، وهو محاولة الصلح وتلطيف الأجواء بينهم، دون تخطيط منه أو وعي، لكنه يتصرف من منطلق فطرته وحبه لأن يبقى أبواه في حالة رضا دائمة. بابا لا تصرخ على ماما تقول "أم ريماس" إن الخلافات اليومية الزوجية شيء طبيعي في أروقة المنازل، وقد تطول أو تقصر بناء على درجة الخلاف، إلا أنه كثيراً ما يسهم وجود أطفالها في فض ذلك الخلاف سريعاً، خاصةً حينما يكون الطفل في سن الخامسة أو السادسة، ويعي معنى أن يتشاجر أبويه، متحدثه عن قصة ابنتها "ريماس" ذات الخمس سنوات، والتي شهدت خلافا بين والديها أثناء مناقشة موضوع انتقال أخيها لمدرسة قريبة من المنزل، فدار الخلاف بين معارضتي وتأييد الأب، حتى دب الخلاف والذي انتهى بصمتي وزوجي، حتى اقتربت "ريماس" الصغيرة ولفت وجه والدها بيديها الصغيرتين، وهمست في أذنه "بابا لا تزعل، أنا أودي أخوي حمودي"، ولم تكتف في ذلك بل قالت: "لا تزعل وتصرخ على ماما"، فتعالت ضحكتي مع أبيها، وشعرنا بمقدارحرص الابنة الصغيرة على أن يزول الخلاف بيننا، حتى عادت الأمور إلى مجراها، واتفقنا على طريقة لتقريب وجهات النظر دون خلاف. سعد وماجد وتسرد "سامية المزيعل" قصة طفليها "سعد وماجد"، اللذين أسهما في الصلح للحظة خلاف بينها وبين زوجها، حيث حدث ذلك حينما ارتفعت أصواتهما في مناقشة أحد المواضيع الأسرية، والتي أدت إلى أن يغضب الأب غضباً شديداً، وينعزل في غرفة الضيوف حتى يهدأ كعادته، إلا أنها تفاجأت بطفليها يدخلان على أبيهما ويقبلان رأسه ويديه، ويطلبا منه (ببراءة شديدة) أن لا يغضب، لأنهما يحبانه، وبأن أمهما تحبه أيضاً، حتى ابتسم الأب واحتضن طفليه، وعادت الأمور إلى وضعها الطبيعي في المنزل، بعد أن وعد الأب أن يخفف من حدة غضبه الدائمة حتى لا يشعر الأطفال بالخوف. حديقة خضراء جميلة وتتفق معها "العنود سعد" التي تشعر بأن طفلتها "حنين" تضفي على البيت الكثير من المرح والسعادة، حتى أنها استطاعت امتصاص غضبها وغضب أبيها، بطرافتها وبهجتها وتعليقاتها الجميلة، ف"حنين" طفلة في سن السادسة، وتحب دائماً أن تعبرعما تحب بالرسومات الطفولية العشوائية، وذات يوم حدث نقاش بيني وبين زوجي، أدى إلى إثارة غضبي وحدوث الخصام بيننا، فتركت المكان ودخلت إلى غرفة "حنين"، وما هي إلا لحظات حتى طُرق الباب وحينما فتحته، وجدت ورقة معلقة على باب الغرفة، رُسم عليها صورة أم وأب يمسكان ببعضها، في حديقة خضراء جميلة وابتسامة كبيرة تلون وجههما، فشعرت أن طفلتي تريد أن تنقل رسالة إلي بأن يتوقف الخلاف، وحينما توجهت إلى زوجي لأريه الورقة، تفاجأت بأن لديه ذات الورقة، فعادت الضحكات إلى البيت وقررنا أن نخفف من قصة الخلافات، حتى لا تحزن ابنتهما الصغيرة "حنين". حفلة صغيرة ولا تنس "أم طلال" أن تذكر قصة أبنائها الثلاثة الذين سعوا جاهدين لفض النزاع بينها وبين زوجها، وقالت: قررت إقامة حفلة صغيرة لابني"عبودي" الذي أكمل السنتين، إلا أن زوجها رفض ذلك لظروف مادية، الأمر الذي دار بسببه الكثير من النقاش وانتهى بقصة "شجار"، مضيفه تدخل الأبناء الثلاثة في الصلح، حينما تطوع "عبد الرحمن" الابن البالغ من العمر 7 سنوات للذهاب إلى الأب وإقناعه بفكرة الحفلة، فعرض 30 ريالا مجموع "الفسحة" المدرسية التي قام بتجميعها هو وأشقاؤه، فابتهج الأب لتلك المبادرة، خاصةً بعد أن مد "عبد الرحمن" يده بالمبلغ، وقال "لا تغضب يا أبي، أنا وإخوتي حلينا المشكلة وهذه فلوس الحفلة"، فشعر الأب بالسعادة لحرص الأطفال على عدم إغضاب والدتهم، فقرر إقامتها، وعادت البهجة من جديد في البيت. د.الكثيري: المشاكل وإن سعى الأطفال إلى تلطيفها إلا أنها تؤثر كثيراً على نفسياتهم "غسق" حلت المشكلة وتسرد "إيمان إبراهيم" قصة خلافها مع زوجها، عندما كانت تجلس معه وابنتها الصغيرة "غسق" البالغة من العمر أربع سنوات أمام التلفاز، لمتابعة إحدى البرامج التلفزيونية، فظهرت على الشاشة إحدى الفنانات تتحدث عن أعمالها القادمة في "التلفزيون"، مما اضطرها لتغيير القناة، إلا أن زوجها أبدى رغبته في المتابعة، فدار بينهما شيء من النقاش أدى إلى التزام الصمت كنوع من الغضب، فقامت "غسق" الصغيرة وتسللت إلى حضن والدها، ثم قبلته قبلة صغيرة على رأسه، وهمست في أذنه "بابا أبغى كرتون"، فتعالت ضحكات الأب، حيث رغبت في أن أبقى راضية حتى عادت البهجة للبيت في تلك الليلة. سيؤثر ذلك على الطفل وترى "د.نورة الكثيري" أستاذ المساعد بقسم التربية بجامعة الملك سعود، أن الآباء يتحملون الكثير من المسئولية في تجنيب الأطفال قصص خلافاتهم الدائمة، لأن تلك الخلافات حتى وإن سعى الأطفال في تلطيف الأجواء بين الوالدين، واستعادت الأجواء الأسرية المستقرة، فإن ذلك يترك أثراً كبيراً على نفسيتهم، لذلك ربما حرص بعض الأطفال على التدخل لفض نزاعات الوالدين، بطريقة غير مباشرة، كالتعبير عن رفضهم عن الخلاف أو الاستياء منه، في حين قد يوجد من الأطفال من يتدخل في فض النزاع بين الوالدين بطريقة مباشرة كالتقرب إلى الطرف الأقوى المتسبب للمشكلة، كأن يمتص غضب الأب والإسهام في استعادة هدوئه، وإنهاء ذلك الخلاف بأسلوب طريف كنوع من التحبب لأحد الوالدين، إلا أن الطفل حتى وإن أسهم بذلك الدور فإنه يترك أثرا غير جيد عليه، فربما أسهم ذلك في أن يدخل إلى عالم الكبار، فيكبر عن مرحلته العمرية، وبالتالي تأثير ذلك على سلوكه في المدرسة، فينشغل بالخلافات بدل الانشغال باللعب والبهجة، وربما وقف موقف التعاطف مع الأم أكثر، لأنه يشعر بأن الأب مصدر القوة، فيخلق لديه المحاباة لأحد والديه على حساب الطرف الآخر.