مرة أخرى.. بل ثالثة.. في مواصلة الحديث عن الصحافة.. هذا الميدان المتعدد القدرات والهويات والإيجابيات، وفي الوقت نفسه السلبيات.. هو مرتبط بنوعية المجتمع.. ليست لدينا أوساط مثالية الوعي بحيث نطالب الصحافة أن تكون في مستواها، بل إننا كثيراً ما نطالب بعض هذه الأوساط أن تتجاوب مع إيجابية متعاون يُفترض أن تتواجد لصالح عمومية المجتمع.. هذا لا يحدث لأن هناك أطرافاً حادة بل جارحة في حواف بعض الفئات الاجتماعية.. في الماضي كان يُقال عن يسار الرأي أو ما يُعرف حالياً بالليبرالية إنه متطرف وعاق لوطنيته.. هذا غير صحيح.. ربما كانت بعض الوسائل خاطئة أو بعض الظروف الدولية غير مناسبة.. لكن ما هو موضوعي آنذاك هو ضرورة تخليص المجتمع من ارتهان قبليّته أو انغلاق تشدّده.. نحن الآن اجتماعياً وإعلامياً في مسارات أخرى.. المجتمع أفضل.. الصحافة أيضاً أفضل.. لكن لابد من الوصول إلى كيفية أرقى لدى الطرفين، إذا كنا حريصين على توفر تطوير اجتماعي ينقذنا من عضوية المشاكل الشرق أوسطية.. لابد من تقارب وتوجهات ترويض اجتماعية تحضّرنا وعياً وكفاءة اجتماعية لنكون في مستوى تفوق إمكانياتنا.. إذاً فالصحافة لا يطلب منها مهمة إصدار فقط أو ممارسة نشر سلبية أو تقليدية، مع أن البعض منها عاجز عن فعل أي شيء.. الدكتور عبدالله الرفاعي لم يتناول هذا الوضع بموضوعية مقبولة، خصوصاً أنه أستاذ جامعي، بل قذف بعبارات سخط غير مبررة خاصة أن الصحافة لا تملك سلطة فرض ذاتها.. الدكتور عبدالعزيز الخضر، الذي سبق أن وضع بين يدي القارئ كتاباً بعنوان: «السعودية مسيرة دولة ومجتمع»، والكتاب من أبرز الكتب في موضوعيّته وشمول تنوّعاته، كتب يوم أمس في جريدة «الاقتصادية» مقالاً تميّز بسخونة العرض لعلاقة الصحافة بحالات الفساد التي أهدرت مصالح المواطنين وأفادت بطرق غير مشروعة أفراداً سوف يخلّفون ما يجعل أبناء أبنائهم في طبقة الملياردير.. أعرف أنه نشرت تقارير كثيرة في صحف معينة تتحدث عن تجاوزات استيلاء غير مشروعة لمساحات أرضية أو تزييف صكوك أو ضلوع مرجعيات تملك قضائية في تمرير تجاوزات غير نظامية.. وأذكر قبل سنتين أن وردنا إعلان يثبت مساحات أرضية يعبرها طريق الملك فهد وطريق العليا.. تصور هذا الامتداد.. ومن مدينة الأمير سلطان ثم جنوباً يتواصل قريباً من المواقع السكنية، وهو مزود بصك موقع من مسؤول قضائي.. استغربت جداً من حجم المساحة.. سألت أحد الزملاء.. قال ما يعرفه أن المسؤول القضائي مدان سابق.. اتصلت بمسؤول في إمارة الرياض قال لي: هذا الموقع محظور البيع فيه، لأن هناك مئات من المواطنين دفعوا مساهمات في ملكيّته.. التجاوزات كبيرة ومفجعة، فالفساد الذي أشار إليه الدكتور عبدالعزيز الخضر هو مرض اجتماعي خطير أجزم أن الدولة ترفضه وتبذل جهوداً مشهودة لردعه.. لكن يجب أن يتوفر وعي إعلامي بالدرجة الأولى ويرافقه موضوعية مواجهة من كل الأطراف.. فممّا يثير السخرية أن بعض المحامين يوالون قراءة الصحف يومياً للبحث عن أي نقد لشخص أو شركة أو مؤسسة ثم يعرضون عليه تقاسم المكسب إذا أُدينت الصحيفة أو الصحفي.. على أي حال، كيفما توقعنا وجود مواقع الفساد أو اختلفنا ما إذا كانت الصحافة إيجابية أو سلبية في هذا المجال، فإن ما هو مهم ومطمئن وأعطانا عبر سنوات ليست بالقليلة وثائق وشواهد ذلك الحضور الإيجابي والصريح الواضح في قرار خادم الحرمين الشريفين يوم أمس.. قرار مواجهة الخلل أو الفساد أو التساهل في مجتمع يعطيه الملك عبدالله بين كل وقت وآخر دفعات، على شكل مشروع أو قرار، تطور المجتمع وتوفر حمايته في آن واحد، فهي ليست مهمة بناء فقط، ولكنها مهمة تصحيح يواصل بها دوره الانفرادي بين قيادات دول العالم الثالث في تحمّل ما يتجه إليه هو شخصياً من مسؤوليات.. وهذا هو الأداء النادر..