قبل توحيد المملكة على يدي بطل العروبة والإسلام الملك العبقري عبدالعزيز - طيب الله ثراه - كانت الحال يرثى لها، خاصة وسط الجزيرة فهي تعيش في عزلة مظلمة، وتلبس لباس الخوف والجوع، وكان المحظوظ من لديه جَمَلٌ يركبه، أما من لديه (فرس) فيكاد (ينضل) لجاهه وندرته.. أكثر الشعب مركوبه رجلاه.. يطارد غداه وعشاه.. والجيِّد منهم ينتظر عودة العنز مع الراعي في المساء حيث يجد في ضرعها بعض الحليب.. كان الجوع يكشر عن نابه.. والخوف يبسط جلبابه.. والقرى تصك أبواب أسوارها في المساء وتنام القرفصا كأنها معزى في ليلةٍ مطيرة.. أما البادية فكانوا يحتربون حتى تسيل دماؤهم، ثم تسيل دموعهم على قتلاهم، وكان المحظوظ منهم من لديه قطيع أغنام وبعض المطايا، وكانوا يشعرون في مطاياهم على عادة أجدادهم القدماء جداً.. وبعد أن وحّد البطل المملكة تحت راية التوحيد، بدّل الله جل وعلا به خوفهم أمناً، وجوعهم شبعاً، وفرقتهم تضامناً، ولم يلبثوا إلا قليلاً حتى زاد الرخاء مع الاستقرار وبدء استخراج النفط، فشهد وسط الجزيرة وصول السيارات لأول مرة، فيا لدهشة عرب الجزيرة بهذا الوافد الجديد، حديد يتحرك، ويحن، ويسرع، ويقرب البعيد، ويمخر الطريق، ويغني عن الحمير والجمال، ويحمل الناس والأثقال، فأخذوا يتأملون السيارات بإعجاب وانبهار، ويقولون فيها الأشعار.. وخاصة (الونيت) الذي يقهر رمال الصحراء، ويحن حنيناً شجياً يُخَيِّلُ لهم معه أنّ له روحاً، فإذا به يثير حنينهم مع حنينه.. يقول مهنا بن إبراهيم المهنا (رحمه الله): «واهني اللي على (فرتٍ) جديدْ يقطع الفرجه إلى عمّد سرابهْ من دياره لاقيٍ صافي الحديد ما قضبه مهندس صلّح خرابه كل ما عشّق له بنمره يزيد ما يعرف أشجار نجدٍ من هضابه» ومن عادة العرب التعاطف مع ما يركبون، قياساً على الناقة التي كانت هي حياة العربي في صحرائه المخيفة (الجمل سفينة الصحراء) والناقة كائن حي حساس تطرب مع الهجيني وتدفئ صاحبها في الشتاء ويستظل بجسدها في الهاجرة وتحميه بارتفاعها من سباع الصحراء وهوامها، ولكن السيارات - هذا الوافد الجديد - رغم أنه لا يشعر إلا أنَّ له صوتاً وعزماً ويقطع المسافات البعيدة في أوقات قليلة.. يقول محمد بن بليهد (رحمه الله): «اثر ركب (البكس) في الدار البعيده عندي أحسن من ركوب الموجفاتِ لا حصل سوّاق والعدّة جديدة والمكينة صاغ وابعد المباتِ كنّ ترجاف الرعد رَنَّة حديده والمواتر حادرات وسانداتِ ينشرون الصبح من خشم الفريده حقت الكموم والممسى مراتِ يا جميل ارفق عليه ولا تزيده شف علامات الدفينه بيّنات لو غدا دربيلكم ما هو فقيده الفقيده قِدْم شهر الحج ماتِ» يقصد زوجته رحمها الله، والموجفات هي المطايا، والفريدة جبل منفرد بقرب القصب،. ولابن مهنا نفسه - وفيه يرى أن السيارة تسبق الرحب: «راكب اللي لا مشى مثل السفينه وان عدا يسبق معاصير الهبايبْ موتر وان حركوا فيه المكينه ياصل اللي من بطاه الراس شايب صاحبي في نجد وأنا في المدينة دون خلِّي بَرَكنْ عُوص النجايب كم هنوف عند أهلنا خابرينه ينثر العنبر على شقر الذوايب» وروى لي (أبو عدي) من بني تميم من أهل تمير أن رجلاً من عشيرة سدير كان متغرباً في العراق ثم عاد على (فورد) يقطع به رمال الدهناء والصمان فقال: «راكب فورت جديدات زروفه يقطع الصمان وطعون الرمالِ خمس ساعات ولي فيها كلوفه شاف (خزه) من رفيعات الجبالِ من قعد فالسيف ما يلقى المروفه عزّتي للي يعدُّونَ الليالي» وخزه جبل بسدير. وكانوا يألفون (الموديل) الذي عرفوه ويأسفون إذا تغير، وهناك قصيدة الشاعر سعد الجنوبي مشهورة غناها عيسى الأحسائي بصوته الشجي: «الله على الجمس لولا وارد الستينْ يا ليلت ما بدلوا وروده وسكانهْ يا ليت شالوا مقصّاته مع الجنبين خلوه سسته على الدنقل كما أخوانه الله وأكبر على من ضبط التايمين ووزن بلوفه وبيرنقه وذرعانه السير والمروحة بوسط الكور تلحين تشبه ربابة أبو محمود والحانه لولا السلندر وسيع ودبّته مترنين كان انفجر من لهيب النار شكمانه»! سكانه: المقود. ويقول بندر بن سرور (رحمه الله): «يا اهل الونيت اللي على مدقمه ميم نقل الرياض، الخطّ ما توصّلونه؟ صَنَّاعْتَه مخطِين ملَه إبراهيم حمران رومٍ لونهم مثل لونه ما رهمّوا له بالكراجات ترهيم ولا طلعوا (كبريتره) ينفخونه والله لو امسك طارته بالمغانيم ما عاد أقلّد دولةٍ يصنعونه» ولمهنا بن إبراهيم المهنا (غفر الله له): «هذا (البكب) لا تحنّه في مشاويره عشّق له بواحد وغيّر له بالثاني قرّب لنا ديره وبعْد لنا ديره يا قرب ممساه من مدعوج الاعيان»