يوم اختار فريد الأطرش تلحين مقاطع من قصيدة نبطية شهيرة ومتناقلة في جبل السويداء يعرفها هو بنفسه مثلما يحفظها بدو وحضر المنطقة آنذاك تحت عنوان :"يا ديرتي-1944 " لأسمهان في "فيلم : غرام وانتقام"،لعمهما الشاعر زيد الأطرش (السويداء-سوريا)،وأدتها موَّالاً،لم يبعد عن صيغة الموال العربي الحُر،خاصَّةً،البغدادي في خلايا عابرة،وأنفاس غناء الفراقي برغم أن البحر مألوف لرقصات الحرب، الذي ختمته بعبارة دارجة لمغنيها المفضل إيليا بيضا:"يا مصبِّرني على بلواي.."، وقد اختار سواء فريد أو أسمهان بيتين لغرض وطني سياسي على شكل رسالة سياسية لم تصل إلا بعد أن غادرت أسمهان عالمنا، وهما: "يا دِيْرَتي مَالِكْ عَلِيْنا لُومْ/لا تِعْتَبِيْ لُوْمِكْ عَلَى مَنْ خَانْ حِنَّا رِوِيْنا سْيُوفِنَا مْنِ القُومْ/مِثلِ العَدُوْ مَا نرْخَصِكْ باثْمَانْ" ويتداخل هذان البيتان - مع تغيير طفيف- في قصيدة لشاعر عنيزة علي بن رشيد الخيَّاط (ت.1888م)، ففي مخطوطة "راعي البندق: علي الخيَّاط"(2004) التي دوَّنها المؤرِّخ والراوية عبد الرحمن البطحي(ت.2006) ذكر فيها أن القصيدة كتبها الشاعر الخيَّاط إثر هزيمة جيش غزاة في معركة رواق- الصباخ جنوب بريدة المسمَّاة (كون المطر)،تختلف تماماً،فهي تتقاطع التباساً بين وسط ما كتبه وإنما بشطرها الثاني مغايرة لما كتبه من مقطوعة شعرية قصيدة زيد الأطرش (1904-1995)- شقيق الزعيم السوري سلطان باشا الأطرش- عمُّ فريد وأسمهان وشقيق والدهما فهد الأطرش،فما للخيَّاط،من منتصف قصيدته،هو: "يا ديرتي ما لك علينا لوم/كلٍّ قضى دينَهْ مِن الديَّان" ..بينما تكملة أجزاء المقطوعة المستل منها فريد الأطرش وأسمهان،بيتَيْ موَّالهما الجميل،هما: "وانْ ما خذينا حَقِّنا المَهْضوم/يا ديرتي ما احنا لك بسِكَّان لا بد ما تَجْلي ليالي الشوم/يعتز جيش قايدَهْ سُلْطان" فيما ترد قصيدة الخيَّاط دون هذين البيتين كاملة في مدوَّنة الرحالة السويسري ألبرت سوسين (ت.1899) المنشورة بعد وفاته عام1900-1901،بنصها العربي عن منشورات الجمل-2007 موافقة لما رواه جدي المؤرِّخ والرواي إبراهيم الواصل(1923-2003)الذي ذكر أنها من قصائد العرضة(غناء ورقص الحرب) في شمال نجد والكويت مع المهاجرين من أهل القصيم،ويثبت الباحث عطا الله الزاقوت جامع ومحقِّق ديوان زيد الأطرش بأن نص البيتين من مقطوعة شعرية قصيرة للأخير عارضها شعراء من آل الأطرش آخرين، مثل: الشاعر صَيَّاح بك حمود الأطرش والشاعر متعب الأطرش،وقد أثبتها الزاقوت في ديوان الشمم:لفارس السيف والقلم زيد الأطرش، تقديم وإعداد وتحقيق:عطا الله الزاقوت،طلاس-2005(سوري). ذهب الشعراء وبقي الشعر.. ذهبت أسمهان وبقي الصوت يحمل الديرة وذكراها..