تجرعت الألم مع نبرات صوتها المبحوح وهي تصف حقلها الذي ذابت كل أزهاره ، و أبناءها وبناتها كيف يهتك الوجع كل أرجائهم .. جراء سجن والدهم ، وكيف تحولت حياة الأسرة إلى جفاف و بؤس ، وكيف كانوا أغنياء بعائلهم فأصبحوا يتضورون جوعا في غفلة من المجتمع ... و كم يتسرب الحزن في عروقي وأنا أسمع حشرة صوت أم تُركت بلا عائل مع أبناء ٍ مراهقين لا تستطيع كبح جماحهم ، فتركوا مدارسهم واستبدلوا بأصدقاء سوء .. فأصبحت كالمشاهدة عبر شاشة صغيرة على سقوط ولدها .. وتستنجد بكثير من الألم .. و كم تشربت وجعا وأن أستمع إلى سجين عاد بعد أن تم الإفراج عنه لتتحدث دموعه قبل لسانه ( ها أنا عدت بعد أن شعرت أنني عبء على أسرتي التي أصبحت تراني عارا عليها .. ! ففضلت العودة ) .. مشاهد شبيهة متكررة أسمعها باستمرار من خلال عملي مديرا تنفيذا للجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم بالقصيم ( تراحم ) .. أتلقى زخما من صور تؤكد أن إنشاء اللجنة كان تلبية لاحتياجات فئة عزيزة غاب المجتمع عنها .. إنها فئة بحاجة إلى الإمساك بيدها سجينا و مفرجا عنه و أسرة تتحمل خطيئة غيرها .. إن العمل الجاد تجاه السجين إصلاحا وتربية وتأهيلا هو استثمار حقيقي في الإنسان ، ودمج المفرج عنه في المجتمع والسعي إلى تدريبه و توظيفه واجب ديني ووطني واجتماعي بعيدا عن النظرة الدونية التي أعادت كثيرا من المفرج عنهم إلى زنازينهم ، والاهتمام بأسرة السجين التي أصبحت بلا عائل يتقاذفها موج الحاجة من كل جانب وتتلاطم بها الحياة بلا ربان حكيم ولا مستشار أمين ركن إنساني و درع يقي من صدمات الدهر و يحمي من غزاة الأخلاق .. إن لجان رعاية السجناء و المفرج عنهم و أسرهم ( تراحم ) تقوم بدور كبير و عمل عظيم قائم على السرية و الجدية ، و تؤدي أدوارها على الأركان الثلاثة ( السجين – المفرج عنه – أسرهم ) بطرق مختلفة ومتعددة مالية كانت أو معنوية أو تربوية أو من خلال التأهيل والتدريب .. والحق أن هذه اللجنة بأمس الحاجة إلى وقوف رجال الأعمال والموسرين والقادرين معها ودعم برامجها والمشاركة في إصلاح ودمج وحماية أركانها الثلاثة . أدام الله الجميع بأمن وسعادة . *المدير التنفيذي للجنة رعاية السجناء و المفرج عنهم و أسرهم بالقصيم ( تراحم )