شاهدت فيلم أفاتار مرتين في دور العرض السينمائية .. المرة الأولى كي أستوعب التقنيات المدهشة فيه، والثانية كي أستمتع بمشاهدته مثل أي فيلم عادي .. وخلال مشاهدتي الثانية تساءلت إن كان هذا الفيلم (الذي أخرجه جيمس كاميرون) سيكسر حاجز المليارين ويحقق أرباحا قياسية جديدة في تاريخ السينما . واليوم علمت أن أرباحه اقتربت من الثلاثة مليارات ووصلت إلى 2,808 مليون دولار (وهذا فقط من شباك التذاكر دون أرباح القنوات الفضائية وحقوق البث والتأجير والتحميل)!! والمدهش أن فيلم التيتانك (الذي يحتل المرتبة الثانية من حيث الأرباح ب1,834 مليون دولار) هو أيضا من إخراج جيمس كاميرون صاحب الفيلم الأول .. وحين نبحث في تاريخ هذا الرجل نكتشف أنه يقف خلف العديد من الأفلام المربحة لأسباب بسيطة ومشتركة، فهو ببساطة يعزف على وتر الفنتازيا والخيال العلمي والبعد عن واقع الحياة الصارم .. ففيلم أفاتار مثلا يجري على كوكب بعيد بين شعب غريب، وفيلم التيتانك (رغم اعتماده على واقعة حقيقية) إلا أنه يستعيرها كخلفية لقصة حب خيالية، أما أفلام التيرمنيتور (التي قام ببطولتها أرنولد شوارزنيغر حاكم ولاية كاليفورنيا الحالي) فتظهر عجزنا الحالي عن مواجهة تقنيات تسافر إلينا من الزمن التالي ... ولو راجعنا أكثر الأفلام ربحا ونجاحا في التاريخ سنلاحظ حضورا كثيفا لأفلام الخيال والفنتازيا .. فأفلام مثل حرب النجوم، وحديقة الديناصورات، ويوم الاستقلال، وملك الخواتم، وهاري بوتر، تندرج تحت هذه الفئة وتأتي ضمن قائمة الأعمال الأكثر ربحا وإبداعا واستقطابا للناس .. وقد يعود سر نجاحها الى ملل "الناس" من واقعهم الحقيقي والمعيش وبحثهم اللاواعي عن عالم خيالي ينتشلهم من قيود الحاضر (وليس أدل على ذلك من تحقيق أفلام والت ديزني الكرتونية قدرا موازيا من النجاح والأرباح بين الكبار أنفسهم)... وهذا النوع من الأفلام الخيالية هو بدون شك الوجه العصري والمصور لأدب الخوارق والفنتازيا (التي لا تتقيد بظروف الزمان والمكان أو قوانين المنطق والمعقول).. فمن الخطأ الاعتقاد بأن تعلق الناس بأدب الخيال وليد عصرنا الحاضر كونه واحدا من أقدم أشكال التعبير الأدبي والإنساني .. فالأساطير اليونانية والهندية مثلا من قبيل الفنتازيا التي لا تلتزم بعالم الواقع وقوانين المعقول .. وحكايات سندباد وعلاء الدين والبساط الطائر وألف ليلة وليلة (ناهيك عن حديث الحيوانات في قصص ابن المقفع) من قبيل أدب الخيال الجامح المقابل لأفلام هوليود .. وبسبب جاذبيتها الكبيرة، وقدرتها على انتشالنا من عالم الواقع لم يتقادم بها العهد وتناقلها الناس بنفس الشغف جيلا بعد جيل... وحين نجمع هذا الشغف التاريخي مع أكثر الأفلام ربحا في عصرنا الحاضر، نكتشف تفوق الخيال والفنتازيا في استقطاب أكبر قدر من الناس .. والأرباح .. ورغم اعترافي بإمكانية النجاح في أي جانب أدبي وسينمائي آخر (يحاكي الواقع) إلا أن وصفة النجاح الخارق تكمن في نظري في قدرة المبدع على انتشال الناس من واقعهم الجامد والصارم إلى عالم الخيال والفنتازيا واللامعقول .. ... ولو كانت لي نصيحة أهمس بها في أذن أي أديب أو مخرج شاب فستكون : "البدء بكسر كافة قوانين المنطق والمعقول" !