تخيلوا لو صدر اليوم قرار يحمل عبارات حاسمة وجادة يحارب التستر التجاري ويتوعد المتسترين بإيقاع أقسى العقوبات بحقهم إن لم يصححوا أوضاعهم خلال فترة شهر. في اليوم التالي لصدور القرار، الأرجح أن أحدا من المعنيين به لم يسمع عنه. في الأيام التالية سيكون الخبر قد انتشر وبلغ أغلبية المعنيين به غير أنهم لن يصدقوا جديته ولن يحركوا ساكنا. في اليوم الأول بعد انتهاء المهلة تنشط الفرق الموكل لها تنفيذ القرار، وتطبيق القانون على العشرات من المتسترين والمتستر عليهم. في اليوم التالي ستسيطر على باقي المتسترين حالة من الرعب، فيفضل بعضهم الخروج من السوق مبكرا ما دام هناك مشترون محتملون لمحلاتهم ودكاكينهم. البعض الآخر سيعمل ما بوسعه للجلوس في المحل لإثبات امتلاكه وإدارته الفعلية لنشاطه. ينتهي الشهر الأول والحملات لا تهدأ. البعض الآن يفكر جديا في إغلاق محله التجاري، والبعض الآخر يصر بأن هذه الحماسة لن تستمر. كثيرا من المتسترين سيكتشفون أن ما يحصلون عليه كمقابل لتسترهم لا يقارن إطلاقا بالعائد العالي الذي ينتجه المحل. بعد ثلاثة أشهر من التطبيق الحازم للقرار أصبحت المحلات المعروضة للتقبيل أكثر من المحلات التي تمارس أنشطتها كالمعتاد. تنخفض أسعار الإيجار للمحلات التجارية وترتفع في الوقت عينه أسعار السلع والخدمات لاختلال المنافسة. يعاني الناس من التكيف مع الوضع الجديد الذي يشمل ارتفاع أجرة اليد العاملة، واحتياج موعد مسبق للحصول على سباك أو كهربائي. في الشهر السادس تبدأ الأسواق بالاستقرار ويقل عدد المحلات المعروضة للتقبيل بعد أن يكتشف السعوديون مقدار الأرباح الممتازة التي تحققها. وبعد سنة من التطبيق الحازم للقرار تعود إيجارات المحلات التجارية للارتفاع وتبدأ أسعار السلع والخدمات بالانخفاض. عشرات الألوف من السعوديين يجدون ضالتهم في تلك المحلات لتأمين لقمة العيش الكريمة. ينخفض معدل تحويل الأموال إلى الخارج وتشهد البلاد هجرة جماعية من عشرات الألوف من العمالة غير الماهرة. أعتقد أن سيناريو كهذا سيتحقق في حال صدور قرار مشفوع بمتابعة وحزم في تطبيقه. قد تختلف جزئية هنا أو جزئية هناك من هذا السيناريو بيد أني لا أظن أن أحدا سيجادل بأن آفة التستر نخرت في هيكلية المؤسسات الصغيرة في بلادنا، وتمكنت من طرد السعوديين من السوق. مواجهة تلك الآفة تعني استعادة المنافسة العادلة، إذ لا يعقل أن يستطيع سعودي أن ينافس في بيئة عدائية تتكتل باقي الأطراف فيها- حصرا- ضده.