تعدّ أمراض الحساسية من أكثر الأمراض انتشاراً بشكل عام وبين الأطفال بشكل خاص، وتشكل أمراض الربو وحساسية الأنف والإكزيما أو ما تُعرف بحساسية الجلد ما يُدعى ب«ثالوث الحساسية» الغالبية العظمى من أمراض الحساسية وتليها حساسية الأطعمة من حيث نسبة الحدوث. إن لأمراض الحساسية هذه علاقة وثيقة مع بعضها البعض حيث أن قابلية حدوثها مجتمعة تنتقل وراثيا وبوجود أي منها في الفرد أو العائلة يجعل حدوث بقيتها متوقعاً وفي أي وقت لاحق، فعلى سبيل المثال إذا كان أحد الأبوين مصاباً بالربو فإن نسبة توقع الربو في أي ابن 50%، وإن كان كلاهما مصاباً ترتفع النسبة إلى 75%، كما يمكن أن يصاب الأبناء بالربو حتى لو كان الآباء يعانون من حساسية الأنف أو الجلد فقط وليس بالضرورة الربو. بينت الدراسات أنه في أي طفل يعاني من الإكزيما يتوقع حصول حساسية الأنف بنسبة 80% وحصول الربو بنسبة 60%، أما إذا كان الطفل يعاني من حساسية الأنف فإمكانية حدوث الربو 70% تقريباً. قد تبدأ الإكزيما عند الأطفال مبكراً في الشهر الثالث من العمر وتحصل 90% من الحالات قبل سن 5 سنوات، وكذلك تتلاشى الإكزيما مبكراً في معظم الحالات، ومن أهم الأعراض الأساسية للإكزيما الحكََّة والتي تسبب توتراً وبكاءً شديداً عند الطفل وعدم النوم، وإذا تمكن الطفل من الحكّ يطفح الجلد أكثر فأكثر ولذلك لا بدّ من إيقاف الحكّة. أما الجفاف في الجلد فيعدُّ عرضاً مهماً جدّاً ولا بدّ من ترطيب الجلد بكثافة ولا يصلح استخدام المرطبات الخفيفة، وفي حال ظهور البقع الحمراء الخشنة والقشور فلا بدّ من استخدام مراهم تحتوي على الكورتيزون أو بدائلها بدرجات مختلفة القوّة وعادةً لفترة موقتة. إن جلد مرضى الإكزيما أكثر عرضة للالتهاب من الجلد الطبيعي بكثير، لذلك ننصح باستخدام المضادّ الحيويّ فوراً على أيّ خدش أو جرح، وتستخدم المضادات الحيويّة عادةً على شكل مراهم إلاّ في الحالات الشديدة إما عن طريق الفم أو الوريد. وعن العلاقة بين حساسية الأطعمة والإكزيما فهي ليست علاقة سببيّة ولكن في الطفولة المبكّرة قد تتسبب بعض الأطعمة بتهيُّج في الأعراض والامتناع عنها يجعل السيطرة على المرض أسهل، وفي سن أكبر يكون المريض أكثر حساسيّة للمحسِّسات الهوائية وليس الأطعمة. أما حساسيّة الأنف فهي المرض الثاني من ثالوث الحساسيّة والأكثر انتشاراً، وفي معظم الأحيان تتواجد الأعراض طوال السّنة وفي بعض النّاس تكون موسميّة فقط، وتتألّف الأعراض من العطس وحكّة الأنف والعينين ومضادات الهيستامين فعّالة لهذين العرضين فقط أمّا انسداد وسيلان الأنف وأحياناً نزيف الأنف المتكرر فلا بدّ لنا من استخدام البخّاخات الأنفية الّتي تحتوي على كميّات مقنّنة من الكورتيزون للسيطرة على هذه الأعراض حيث أنها فعّالة جدّاً إذا استخدمت يوميّاً ومضاعفاتها الجانبيّة حتى على المدى الطويل شبه معدومة، وإذا أُهمل علاج حساسية الأنف فإن ذلك يؤدّي إلى تضخُّم اللَّحميّات وبالتالي إلى الشّخير أثناء النوم كما يؤدّي إلى احتقان أو التهاب الجيوب الأنفيّة فيعاني المريض من الصداع المتكرر وأحيانا الكحّة خصوصاً عند الاستلقاء وعلى المدى الطويل قد يفقد المريض حاسّة الشمّ وبالتّالي التذوق أيضاً، وقد تبدأ حمّى القشّ في سن مبكرة جدّاً وإذا تواجدت مع الرّبو فلا بدّ من السيطرة عليها لكي نسيطر على الرّبو. ننتقل الآن للتحدّث عن مرض الرّبو وهو التهاب تحسّسُي مزمن يصيب الشعب الهوائيّة ويؤدي إلى انقباض في القصبات الهوائيّة وإفراز كميّات كبيرة من المخاط ممّا يعيق انسياب الهواء إلى الخارج فيشعر المريض بضيق النفس ويعبّر عنه الرُّضع بالبكاء الشديد ويمكن أن يصل لدرجة الازرقاق في الشِّفتين كما يعاني المريض من نوبات السُّعال الشَّديد المتبوع بالتقيؤ عند الأطفال بالإضافة إلى صفير في الصَّدر ولا يُشترط سماع الصَّفير لتشخيص الربو كما يعتقد البعض, بل إنّ الكحّة خصوصاً اللَّيليّة والكحّة التي تتبع اللّعب أو الجهد أكبر دليل على وجود الرَّبو، ولا بدّ من التأكيد على أن الرّبو مرض موروث ومزمن وقد يظهر في الشّهور الأولى من العمر ويتلاشى مع التقدّم في العمر في ثلث المرضى الأطفال فقط، بينما قد يستمر أو يختفي ثمّ يعود في باقي المرضى بعكس المعتقدات. يعاني 300 مليون شخص حول العالم من مرض الرّبو أكثر من ثلثهم من الأطفال، كما يموت السُّكان بسبب الرّبو وتقدّر نسبة حدوث الرّبو عالميّاً بنحو 18% من السُّكان وأرقامنا في السعودية مشابهة جدّاً ونسبة الإصابة في زيادة مضطردة خصوصاً بين الأطفال، كما أن نسبة الوفاة بسبب الرّبو في ازدياد أيضاً بالرغم من كل الجهود العالميّة المبذولة، حيث تذكر الإحصاءات الكندية أن 10 أشخاص يموتون أسبوعيّاً من الرّبو كان بالإمكان تفادي 8 من هذه الوفيات بالإجراءات الصحيّة السليمة، ويشكل الرّبو عبئاً على ميزانيّات الدُّول ماديّاً واجتماعياً حيث يعدّ السبب الأول لتغيّب الأطفال عن مدارسهم والأهل عن العمل وفقدان الإنتاجيّة ومن الأسباب الرئيسة لزيارات الطوارىء المتكررة وتقدّر الخسائر من ذلك ببلايين الدولارات. هناك نمطان من الصفير الصدري عند الأطفال أولهما وهو الذي يحدث في طفل ليس لديه أمراض حساسيّة أخرى وليس لدى أفراد عائلته تاريخ في أي من أمراض الحساسيّة المذكورة آنفاً ويحدث الصفير فقط بعد الزُّكام وهؤلاء الرُّضع غالباً يفقدون الصفير تماماً كلما كبروا، أما ثانيهما فهم الأطفال الذين لديهم تاريخ شخصي أو عائلي لأي من أمراض الحساسيّة فهؤلاء عادةً تستمر فيهم أعراض الرّبو, ويجب التفكير ببدء العلاج الوقائي لهم مبكِّراً، ويجب على الطبيب التأكد من عدم وجود أمراض مصاحبة أو مهيجة للربو مثل التهاب الجيوب الأنفية أو الارتداد المعوي، كما يجب على الأهل التحقُّق من وجود مرض الرّبو لدى الطفل في حالة إذا كانت الكحّة ليليّة وتمنع الطفل أحياناً من النوم المريح أو إذا كانت الكحّة تزداد عند التعرُّض للغبار أو الروائح القويّة كالبخور والعطور أو الدُّخان خصوصاً من السجائر أو وبر الحيوانات وريش الطُّيور أو في مواسم ازدياد غبار الطّلع من الأشجار، كذلك تزداد بعد الرّكض واللَّعب. لا بدّ في نهاية الموضوع من التشديد على أن الرّبو مرض موروث وأنه مرض مزمن وأنه قد يؤدي إلى الموت في سن مبكّرة، وأن فكرة أنّ البخاخات تؤدي إلى الإدمان عارية عن الصّحة وأن الوقاية والسيطرة على المرض وتفادي المضاعفات ممكنة بإذن اللّه. * أمراض الحساسية والربو