لست مغالياً حين أقول بأن ليس أسوأ من التصرف الأرعن لبعض جماهير الوصل الإماراتي في نصف نهائي البطولة الخليجية إلا بعض الخطاب النصراوي الأهوج الذي انفجر في أعقاب المباراة مباشرة واستمرت شظاياه تملأ الفضاء الإعلامي حتى اللحظة، والذي تبناه بعض المحسوبين على البيت النصراوي. ففي الوقت الذي ندين الفعل المشين الذي قامت به جماهير الوصل التي أزهقت الروح الرياضية، ونحرت كل معاني التنافس الرياضي الشريف، فإننا أيضا ندين الخطاب النصراوي الإعلامي الذي ظهر متشنجاً في الطرح بإيغاله في الطعن على الآخر سعودياً أو غير سعودي، ما أدى إلى تنفير المتلقي من هذا الخطاب الذي بدا مصاباً بالعدوانية، وموبوءاً بالكراهية، إلى حد التأثير السلبي على حالة التعاطف العامة مع مظلومية النصر. وإذا كنت أجد العذر لجماهير النصر إزاء ردود أفعالها الساخطة حيث بدت متشنجة من هول الصدمة التي انفجرت في وجهها في استاد زعبيل، وهي ترى - بداية - فريقها وهو يمارس معها الخذلان من جديد، ثم تراه يتعرض لما تعرض له من إرعاب وتخويف على أيدي أنصار الوصل، فأي عذر سنجده لمن يفترض فيهم أنهم حملة مشعل التنوير الرياضي، ولكن أنّى لهم ذلك، وهم بتلك السطحية الفكرية والخواء الثقافي. وحين أجزم بأن الخطاب الذي قدمه أولئك الموتورون الذين ظنوا بأن كل أقنية الفضاء كتلك (الدكاكين) التي يبيعون فيها بضاعتهم الإعلامية الفاسدة قد أثر على مظلومية النصر، فذلك عطفاً على حالة الإنقسام التي تبدت في الشارع الرياضي السعودي، أقول السعودي وليس الخليجي وحسب، إذ لم يظهر التعاطف حاراً مع المشهد النصراوي بالشكل المفترض حتى من جهة بعض المحسوبين على النصر، على الرغم مما حمله ذلك المشهد من تراجيديا مغرغة في المأساوية، والسبب يعود لتلك اللغة الهابطة التي حملت تخويناً لكل من هو غير نصراوي، فضلاً عن الدفاع الفج عن الموقف النصراوي، وهو ما جعل النصر يبدو كخصم للجميع وليس للوصلاويين واللجنة التنظيمية الخليجية، وهو ما بدا لافتاً سواء في طرحهم الورقي، أو مداخلاتهم الفضائية. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصاياه لابنه الحسن: "يا بني إياك ومصادقة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك"، وقال أيضا: "إياك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب"، وقال: "عليك بإخوان الصدق فإنهم زينة في الرخاء وعصمة في البلاء". وجدتني استحضر تلك الوصايا الثمينة فجأة وأسقطها على واقع النصر، وأنا أقف على مأزومية خطابه الإعلامي، إذ بت متيقناً بأن واحدة من أهم الأزمات النصراوية التي ظل يراوحها منذ عقود هي أزمة الخطاب الإعلامي لديه، سواء خطابه الرسمي أو غير الرسمي، بل أكاد أجزم بأن الأخير إنما هو منتج للأول، ولذلك فإن على الحاملين لمفاتيح النصر اليوم إذا ما أرادوا تغيير تلك الصورة النمطية عن الخطاب (الأصفر) مراجعة هذا الواقع المأزوم، والذي يبدأ باختيار نوعية الممثلين للخطاب العقلاني الجديد، بتبني المتعقلين والمتنورين، ونبذ المتخلفين والظلاميين، ولا بأس أن يتم تأسيس ذلك على أرضية (موقعة زعبيل) فكم من ضارة صارت نافعة.