لا نختفي وراء الإصبع ، ولا نحاول أن نزين الصور القاتمة ، ونمنحها قبسا ضئيلا من نور في جهد هو بائس بالتأكيد لإخفاء التشوهات، والألوان السوداء ، والخطوط المنحرفة ، ولا نبحث عن تسويغ للتجاوزات والانحرافات المسلكية في التعامل مع الوطن ، فنحن بذلك نرتكب الخطايا والأوزار في حق الإنسان ، والإرث ، والمكتسب النضالي على كل الصعد . ومن هنا نقول إن الكثير مارسوا الهدر، والسرقة ، والسطو على المال العام ، وأهدروا من خلال مسؤولياتهم الوظيفية إنجازات كان من الممكن تحقيقها لو عملوا من خلال الضمير ، وتعاملوا عبر مفهوم أن الوظيفة تكليف وأمانة ومسؤولية .وليست امتيازا ، أو مكافأة ، أومحاصصة مناطقية، أو اجتماعية . في المقابل نحتفي ونحتفل بأشخاص هاجسهم الوطن ، وهمهم ثروات الوطن ، وتفكيرهم يصب دوما في مجرى محاربة الفساد ، ومحاصرة كل أشكاله الملوثة والرديئة ، ومواجهته بشجاعة من خلال سلوك متميز ، وعقول واعية ، ومفاهيم أن الوطن ليس فندقا ، ولا كعكة علينا أن نأخذ الحصة الأكبر منها لنترك الفتات والبقايا لمن هم يكدحون ويناضلون في المدارس والجامعات والمصانع والمزارع لكي تكتمل مسيرة التحديث والتطوير ، وصناعة المستقبلات الواعدة ، والتنوير في كل المجالات الحياتية. بين يدي الآن وثيقة تبعث في النفس الكثير من الفرح ، وتجتاح بدلالاتها ومعانيها كل فضاءات السعادة والاطمئنان بأن هناك من يحرص كثيرا-إن لم نقل يقاتل- في سبيل ثروات الوطن ومقدراته ومكتسباته، ولديه مخزون من الأخلاق والسلوك كمواطن يهمه ممارسة ثقافة الأمانة كسلوك وفعل ووعي . الوثيقة حصلت عليها بطريقتي من الملحقية الثقافية السعودية في لندن ، وتتحدث عن محاولات ومشاريع ابتزاز من قبل بعض أطباء الاسنان في إنجلترا ، وهماً منهم بأن مال المملكة سائب ، وأن ثرواتها المادية أنهر تتدفق قابلة للسرقة والاعتداء والعبث ، وقد استغل هؤلاء الأطباء " الأغبياء " اتفاقاً شفهياً غير مكتوب حدث منذ زمن لعلاج طلبتنا المبتعثين، وكان مصدره الثقة ، ومدماكه حسن النوايا في زمن أصبحت النوايا الحسنة والجيدة كارثة على صاحبها . منذ أشهر قليلة ماضية تم الاشتباه في نزاهة بعض الأطباء من قبل الملحقية الثقافية ، لأن واقع الفواتير التي يطالبون بصرف مبالغها كقيمة لعلاج الطلبة خيالي جدا ، ويثير الشكوك إلى حد يفرض ويستوجب التوقف، إذ كانت مطالبة أحدهم - احتفظ باسمه - وهو عربي الهوية بمبلغ قدره " 179130 " جنيهاً إسترلينياً ، أما الطبيب الآخر- احتفظ أيضا باسمه - وهو عربي الهوية ، فقد كان يطالب بقيمة فواتير علاج وهمي تصل أرقامها فوق مبلغ " 175678 " جنيهاً إسترلينياً . أمام حقائق الواقع كان على الملحقية الثقافية أن تتحرك ، وأن تبذل جهودها لتحصين مال المملكة ، وبالتالي المال الذي ينفق على صناعة العقول ، وصياغة الوعي والمعرفة من الهدر ، والنهب ، والسرقة ، وتنمط مجاري إنفاقه بحيث يذهب إلى أهدافه التي رسمتها وبرمجتها رؤية الدولة ، وأهدافها ، وطموحاتها في مساعيها لتأهيل الأجيال القادمة ، وهي الأجيال التي ستخوض معركة التحدي ، والتحديث ، والتطوير ، والتنوير . ماذا حدث ..؟ كيف سارت القضية ..؟ ماهو الجهد والموقف المتخذان من الطلبة في رد وتحصين المال العام ..؟ ذلك حديث نكمله يوم الخميس القادم .