لا شك أن فكرة السنة التحضيرية التي تتبناها جامعة نورة فكرة راقية بكل المقاييس،إلا أن أي فكرة يبقى مصير نجاحها مناطا بآليات التخطيط والتنفيذ فهي العامل الأهم في تحقيق معاني الجدوى المأمولة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالفتيات في السن الجامعي. الاطلاع والملاحظة تمنحنا بعدا تصوريا لكثير من التجارب غير أن الواقع الملموس لمختلف التجارب شيء آخر، ولأن أقصى درجات التصور للأشياء تبقى دائما أقل من لمسة بالأصبع سأتناول الموضوع قياسا على حالة ابنتي التي بثت لي معاناتها، فقد تحدثت لي بشيء من الحزن تقول : كنت أحلم بالجامعة على أنها مرحلة جديدة ومفيدة ولا أعرف أنني أحلم بكابوس ، ستفتقدني كثيرا يا أبي ستفتقدني كل الأشياء من حولي.. فجدولي يبدأ مع اشراقة الصباح حتى غروب الشمس، ولكي أصل للجامعة في الوقت الصحيح لا بد أن أكون هناك قبل الثامنة، وهذا يعني أن تتحرك سيارتي السادسة لتجنب وعثاء وزحمة الطريق، وبما أن وقت الخروج من المحاضرة هو الرابعة والعشرون دقيقة فمن المتوقع وصولي إلى البيت عند الخامسة والعشرين دقيقة هذا إذا افترضنا أن الطريق كان سالكا. حلقت لحظات في المعاني الإيجابية من السنة التحضيرية ورأيت أن الطالبات يستيقظن يوما كاملا في جامعة تعد الأفضل من حيث التجهيزات والمباني والأساتذة ويكفيها فخرا أن صاحبة السمو الأميرة الجوهرة بنت عبدالرحمن آل سعود رئيسة لها، سيدة مشهود لها بالإخلاص والالتزام بالمبادئ، وتبذل قصارى جهدها في تطوير الفتاة السعودية، حتما الأمر مخطط له بعناية فائقة.. شعرت بضرورة تفهم الطريق المؤدي إلى بناء الفتاة الجادة التي تسهم في تنمية بلادها مهما كان صعبا.. هناك ثمة مشكلة بدأت تعصف بي، كبر حجمها وتضخم في نفسي بعد أن مر الأسبوع الثالث في الجامعة ولم يبدأ الانتظام فقد كان الجدول يتغير كل يوم في إطار تحويري لا يكترث لعامل الزمن ومنطقية الوقت. وزاد على هذا التواضع شديد في شبكة الدخول على نظام التسجيل، تفاجئك برسائل التوقف وتضاعف حزنك. عرفت أنه لا يتوفر المكان الملائم للقراءة الحرة أو الاسترخاء في مباني السنة التحضيرية وأن زمن المحاضرة لمادة اللغة الانجليزية أكثر من ثلاث ساعات متواصلة، وللمواد الأخرى ساعتين ناهيك عن عدم استيعاب الكثير من الطالبات لطريقة ونظام الجامعة. وزادت بي الحيرة والقلق من النظام الإداري المتبع أكثر من عرض ابنتي لها، وذلك عندما حاولت الاتصال على الجامعة فقضيت نهارا كاملا بجانب الهاتف ولم يجبني أحد، فزرت مسئولا في الجامعة بعد أن تهت عبر بواباتها ومداخلها وساحاتها الترابية التي تفتقر لمبادئ النظام والتنظيم والجمال. لم تكن مشكلتنا مع السنة التحضيرية ولكنها مع وسائل التطبيق وطرقه وفن التعامل معه، ففرض القواعد والأنظمة وتوكيل حل الوسيلة إلى الطالبات وأولياء أمورهن أمر غريب ولا يستقيم حتى ولو مارسته جامعات الطلاب الأخرى، فكلنا نعلم أنه يجب أن نتعلم لنبني الوطن ولكن قبل ذلك هناك قانون لا خيار لنا فيه تختصره صرخة طالبة مفادها أنها إنسانة تحب أن تخلص لنفسها لتخلص لمجتمعها. ومن أبسط معاني الإخلاص للنفس هو الشعور بالارتياح والاطمئنان. أربكتني حقا معاني القصور وتراجعت عن ذاك التحليق الايجابي فقد شعرت بحجم التيه وضخامة التصورات البائسة بداخلي انه خلل منهجي في تطبيق فكرة السنة التحضيرية لم يراعي كما ينبغي ظروف وطبيعة الفتاة عندنا مما يجعل المطالبة من المسئولين بتطبيق الوعود التي وعدت بها سمو الدكتورة الجوهرة بنت فهد آل سعود بدراسة الآراء والمقترحات وتذليل كافة الصعوبات التي تواجهه الطالبات خلال دراستهن بالسنة التحضيرية أمر لا مناص منه. فكلنا رجاء وأمل أن ينظر القائمون بأمر الجامعة في إيجاد مخرج وتخفيف الأعباء عن بناتهم .