لا يمكن وجود سوق أسهم بدون مضاربة ومضاربين وإلا تجمد كالقطب الشمالي وانعدمت فيه الحركة وربما الحياة واختفت الاكتتابات الجديدة (السوق الأولية) أو كادت.. فالجمهور يقبل على الاكتتابات الجديدة لعلمه بسهولة بيع ما يخصص له من أسهم وربما في اليوم الأول وربما بربح مجزٍ، والذي يسهل له عملية البيع هم المضاربون الذين يوفرون السيولة للسوق وينعشون حركة التداول ويجعلون الطروحات الأولية تنجح (الاكتتابات) التي هي اضافة جديدة ليس للسوق فقط بل لما هو أهم وهو اقتصاد الوطن إذ تتوجه الموارد النادرة (الأموال) للقطاعات المنتجة، والمفترض ألا يطرح للاكتتاب إلا قطاع منتج حسب دراسة جدوى علمية، بحيث يضيف هذا الطرح سلعاً وخدمات جديدة (يزيد العرض) ويوفر فرص عمل ويسهم في دعم ميزان المدفوعات ونشر الوعي الإداري التقني في المجتمع.. ومع أن المضاربة ضرورية لكل سوق كما أسلفنا، فإنها (أي المضاربة) قد تنحرف عن مسارها الصحيح وتصبح عشوائية لا تقوم على أسس سليمة بل هي غاية لتحقيق مكاسب عاجلة وربما بالتدليس والنجش والتدوير بين عدة محافظ يديرها شخص واحد بواسطة (النت).. إن المضاربة في الأصل وسيلة لتحسين أداء الادارات في الشركات المساهمة، فالمضاربون إذا رأوا من إدارة أي شركة اهمالاً، أو تلاعباً، أو عدم قدرة على الادارة، وكل ذلك ينعكس على ربحية الشركة بالتراجع، فإن المضاربين يبيعون أسهمها ويخسفون بسعرها ويتجهون إلى الشركات ذات الادارة الواعية المخلصة المتقدمة التي تحقق نتائج جيدة وتنمو وتعظم ثروة المساهمين.. المضاربة هنا وسيلة لإصلاح الادارات الضعيفة أو الفاسدة لأن بيع المضاربين لأسهم تلك الشركات التي تعكس سوء الادارة عقاب فوري يعقبه غضب المساهمين وتغييرهم لمجلس الادارة وتحسين الأداء، كما أن إقبال المضاربين على أسهم الشركات ذات الادارة المتسمة بالكفاءة والفعالية هو بمثابة مكافأة فورية لتلك الادارة.. حين تكون المضاربة وسيلة للتمييز بين الادارات الجيدة والرديئة فهي بناءة.. مُصلحة.. ومفيدة.. أما حين تكون المضاربة مجرد غاية لتحقيق أرباح سريعة وبوسائل غير نزيهة ولا نظامية كالتدوير والتدليس والنجش بحيث ترفع أسعار بعض الأسهم فوق ما تستحق مراراً فإنها تكون مضاربة ضارة وخيمة العواقب.