في ربيع العام 1948 نشرت مجلة "لايف" الأميركية صورة لمجموعة من الحاخامات بقبعاتهم وستراتهم السوداء وهم يتسلقون السور المحيط بالبيت الأبيض في واشنطن، وكان الشرح أسفل الصورة هو "مجموعة من الحاخامات يحاولون الحديث مع أحد مسؤولي البيت الأبيض لطلب الدعم لإسرائيل". وفي الرابع عشر من مايو (أيار) من نفس العام ، وبعد دقائق من إعلان دافيد بن غوريون عن إقامة دولة إسرائيل (على أرض فلسطين العربية)، سارع الرئيس الأميركي هاري ترومان الى الاعتراف بالوطن اليهودي للشعب اليهودي في إسرائيل . وكانت أميركا هي الدولة الأولى التي اعترفت بحكم الأمر الواقع هناك. منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا فان الداعم الأكبر والأكثر عمقاً الذي يمكن إسرائيل من البقاء في منطقة لا تهدأ وميالة الى العنف مرتبط بالتماثل التام مع أميركا، والسترة الواقية التي توفرها. ومكاسب إسرائيل من هذا التقارب تتجاوز بكثير المساعدات الاقتصادية والأمنية. فعلى مدى سنين طويلة طرقت دول كثيرة باب إسرائيل لعلمها بأنها الأخت الصغرى المدللة لأميركا. وعندما عرضت إسرائيل بضائعها ومساعداتها في مجالات متنوعة في أفريقيا، وأميركا الجنوبية، وشرق آسيا كانت تلك الدول تعلم بأن خلف إسرائيل تقف قوة عظمى. من المهم أن نتذكر هذه الأمور إذا فكرنا بأنه يمكننا العيش لوحدنا. فأولئك الذين يقترحون عدم الخضوع للضغط الأميركي، حتى لو اضطررنا الى تقليص نفقاتنا قد يبدون جيدين، غير أن هذا الكلام أقرب لعدم المسؤولية. إذاً نقول لمن يُفضل النسيان بأن الدعم الأميركي حيوي لضمان المصالح السياسية لإسرائيل. وفي نهاية العام 1960 ، ذكرت تقارير أجنبية أن الأميركيين اكتشفوا أن إسرائيل نجحت في بناء مفاعل نووي في ديمونا (بمساعدة من فرنسا الاستعمارية آنذاك). وبعد بضع سنوات نشرت وسائل الإعلام حول العالم بأن الدولتين (إسرائيل والولاياتالمتحدة) توصلتا الى اتفاق حول "سياسة الغموض" التي التزمت فيها أميركا بمنع بحث مسألة النووي الإسرائيلي في أي مؤسسة دولية. وهذا جعل إسرائيل تتعامل مع الأممالمتحدة باستخفاف، وهذا لم يأتِ إلا بعد أن عملت البعثات الأميركية في مؤسسات الأممالمتحدة على منع اتخاذ أي قرارات ضد إسرائيل. إن وقوف الولاياتالمتحدة الى جانب إسرائيل لا يقتصر على حالة الحرب فقط، بل حتى في السلم. فقد استضافت حدائق البيت الأبيض كل احتفالات توقيع الاتفاقيات مع جيراننا. واتفاق السلام مع مصر كان نتيجة مباشرة لتدخل الرئيس كارتر والضمانات والمساعدات المالية والأمنية بحجم مليارات الدولارات التي مُنحت لإسرائيل ومصر حتى اليوم. وبنفس الطريقة تحقق الاتفاق مع الأردن. حتى اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، رغم عدم تدخل الأميركيين فيه، لم تكف الولاياتالمتحدة عن إدخال التحسينات عليه منذ توقيعه في العام 1993. إن محادثات التقارب (غير المباشرة) التي حاول الرئيس أوباما دفعها الى الأمام تشكل فصلاً جديداً في النهج العبثي للأميركيين الذين يؤمنون بأنه من أجل صالح الإسرائيليين، يجب مساعدتهم على إيجاد طريق الخلاص من شعب محتل (الفلسطينيين). والمستوطنات –المثيرة لأوباما- موجودة في أساس العلاقة المعقدة بين إسرائيل وأميركا، وليس فقط في لب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. في بداية الثمانينيات سألني دبلوماسي أميركي عن خبر قرأه ذات صباح حول خطة لإقامة كتلة من المستوطنات في منطقة نابلس الفلسطينية (شمالي الضفة الغربية) ، ومن أين سيأتي المال في ظل حديث الحكومة الإسرائيلية عن أنها تمر بضائقة مالية. فأجبته "سيأتي منكم انتم أيها الأميركيون. فالمستوطنات التي تطالب الولاياتالمتحدة بضرورة إزالتها، بُنيت بالمساعدات التي منحتموها أنتم لإسرائيل." * "يديعوت احرونوت"