بدأ أسبوع المرور الخليجي الموحد وانتهى .. وعلى ما يبدو أن هناك من لم يعلم بهذا الأسبوع إطلاقا!! عند الحديث عن المرور سيتبادر السؤال المحير دائماً والمتكرر عن حال " قيادة السيارة " في شوارع مدننا .. وعن حقيقة المشكلة المرورية التي تسببت في بقاء ظاهرة لم تتغير منذ زمن .. وهنا يتكرر السؤال هل المشكلة هي " مشكلة وعي مروري " أم أنها مشكلة " تمرد على أنظمة المرور " من خلال أسلوب قيادة السيارة ؟! من المؤكد أن المشكلة ليست (مشكلة وعي) فجميع سائقي السيارات في شوارعنا يعرفون أبسط قواعد وتعاليم قيادة السيارة داخل المدينة وعلى الطرق الخارجية والتي من أهمها عدم السرعة والوقوف بانتظام عند الإشارة المرورية .. ولكن المشكلة لدينا هي مشكلة " تمرد مروري " بسبب غياب (العقاب الصارم ) ولذلك " غابت الهيبة المرورية وبسبب غياب الهيبة المرورية أصبح تجاوز الإشارة الحمراء والسرعة حالة طبيعية معتادة " وشطارة "من قبل الصغير والكبير والأجنبي والعامل والسائق وكل من يقود سيارة !! مدير الإدارة العامة للمرور خلال مؤتمر صحفي عقد بمناسبة بدء أسبوع المرور الخليجي الموحد أعلن أنه خلال العام الماضي 1430ه سجل في المملكة وقوع (483) ألف حادث مروري نتج عنه وفاة (6458) شخصا وإصابة (36) ألف شخص .. وهذا معناه أنه يومياً يقع في المملكة (1323) حادث مروري وأنه يومياً يصاب (98) شخصاً وأنه يومياً يموت (17) شخصا بسبب تلك الحوادث ولكن لم تتضمن الإحصاءات أي معلومات إضافية عن هذه الحوادث من حيث أعمار السائقين - جنسيات المصابين - نوعية المركبات - أماكن وقوع هذه الحوادث - حالة الإصابات - كيفية وقوع الحادث .. وهي معلومات من الممكن أن تساعد الدارس والباحث عن هذه الظاهرة !! لذلك أمام هذه الإحصاءات " المروعة " والمؤلمة يتكرر السؤال المحزن عن حقيقة مسببات هذه المشكلة وطرق علاجها .. لكن يظل السبب الأول هو غياب " الهيبة المرورية " تلك الهيبة التي نراها في كل الدول الأخرى والتي يحترمها المواطن السعودي نفسه عند سفره إلى تلك الدول بأعلى درجات الاحترام !! تلك الهيبة المرورية التي ننشدها هي التي يجب أن يدركها كل سائق سيارة قبل أن يخرج من منزله ... هيبة يفكر فيها كثيراً قبل أن يركب سيارته .. هيبة يجب أن يدركها الصغير قبل الكبير والأجنبي قبل المواطن !! فعندما نشاهد شابا يقود سيارته بكل تحد على رصيف خصص للمشاة وأمام كل المارة والجلوس .. ونشاهد قائد سيارة أجرة يقف في المسار الرئيسي على طريق عام من أجل إنزال أو أخذ راكب بعشرين ريالا في صورة تعبر عن حالة خطر ليس لها ثمن .. أو نشاهد صاحب سيارة أجرة يقفز فوق رصيف طريق الخدمة إلى الرئيسي للاقتراب من الإشارة ... أو نشاهد كما كبيرا من السيارات عند الإشارة المرورية حضرت من أقصى المسار الأيمن لتقف في وسط تقاطع الإشارات بمظهر أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه مظهر " مخجل جدا " .. ونشاهد الشباب يتفاخرون باختصار الزمن عند قيادة السيارة لأي مشوار من خلال قيادة متهورة !! أو نشاهد تحول الطريق الدائري لميدان سباق للسيارات أو نشاهد عددا من السيارات وقفت بازدواج متكرر أمام مطعم وأغلقت الطريق الرئيسي ... هذه جميعها نماذج مختصرة تؤكد حقيقة التمرد على النظام المروري وضرب الوعي الاجتماعي . الحديث عن قيادة السيارة في شوارع مدننا وعند الإشارات المرورية وعلى الطرق السريعة داخل المدن وخارجها حديث أصبح مملا جداً لتكراره الذي أصاب السامع والمتحدث بالإحباط .. وأصبح الكل يدلي برأيه ويسرد قصصه ويروي روايته عن تصرفات وسلوكيات مرورية أو عن مواقف مروعة ومزعجة شاهدها أو سمع بها .. وبالتالي فان مثل هذه القصص قد تثير الشك بأن هذه الحالة ظاهرة متوارثة من جيل إلى جيل !! إن " الهيبة المرورية " التي ننشدها ليست من مسؤولية جهاز المرور فقط بل المسؤولية هنا تقع على الأسرة وعلى المجتمع ككل من خلال المدرسة والمنزل والجامعة والجهة التي يعمل فيها سائقو السيارات .. فهذه جهات للأسف تخلت كلياً عن واجبها وفرطت كثيراً في دورها وألقت بالمسؤولية كاملة على جهاز المرور وحده !! ففي كل الدول المتقدمة لا نرى رجال المرور في الشوارع!! فلماذا نطالب بهم في بلادنا؟! الهيبة المرورية هي تربية و" سلوك ذاتي " يجب أن يتغذى في عقل وفي فكر الشخص منذ صغره وينمو بنمو جسده من هنا فان المهمة هنا أكبر من مهمة جهاز المرور والمسؤولية مسؤولية مجتمع قصر كثيراً في هذا الجانب !! لذلك نتمنى الاستعجال سريعاً في إنشاء (المجلس الأعلى للمرور) الذي أقره نظام المرور الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/85 وتاريخ 24/10/1428ه في المادة رقم (80) والتي نصت على (ينشأ في وزارة الداخلية مجلس أعلى للمرور ويصدر تكوينه أمر ملكي محدداً مهماته واختصاصاته بناءً على اقتراح من وزير الداخلية ويكون المجلس هو السلطة العليا المشرفة على شؤون المرور من خلال رسم السياسة العامة للمرور) . نتمنى أن يرى " المجلس الأعلى للمرور " النور سريعاً وأن يحظى بالدعم ... فقيادة السيارة المثالي تمثل مظهرا وسلوكا حضاريا وصورة حقيقية عن وعي المجتمع وتطوره وحسن سلوكه ودرجة ثقافته .. وهذا ما نفقده كثيراً في شوارعنا ونحزن أكثر على افتقاده عندما نكون في الخارج !!