في ميادين العمل نجد أن بعض النساء العاملات لم يستقللن بعد بشخصيتهن بعيدا عن الأزواج، لا نقصد بالاستقلال التمرد على حياتها الأسرية أو الزوجية. وهناك نساء عاملات يشركن أزواجهن في تفاصيل أعمالهن، بل يفرضن وجودهن معهم في العمل فلا تستطيع أن تنجز عملها الذي يطلب منها إلا ويكون زوجها هو المقرر لكيفية وحجم انجازه.. قضية تؤكد أن بعضا من النساء، مازلن لا يثقن في قدراتهن ولا في شخصياتهن المستقلة بالعمل، ولعل مديراتهن والمسئولات عنهن هن أكثر من تضرر من ذلك لتعايشهن مع هذا النمط من العاملات.. الزوج يستأذن لزوجته من المديرة الأستاذة روضة.. مديرة مدرسة: تؤكد أن هناك عددا من المعلمات يعملن بتوجيهات من أزواجهن ولا يقتنعن إلا بآراء أزواجهن حتى لو تعلق الأمر بطريقة عرض درس أو تنفيذ عمل يبين قدراتها.. وتوضح أنها تسعد للتفاهم والتعاون بين الزوجين، وهذا مؤشر على إيجابية العلاقة والسعادة بينهما والتي بالتأكيد تنعكس على أداء المعلمة، ولكن الجانب السلبي هو إلغاء شخصية المعلمة وعدم إعطاء الفرصة لإبداء رأيها حتى في عملها. وترى، هذا ضعف في شخصية المرأة العاملة عندما تتيح المجال لزوجها التحكم في كل تفاصيل عملها عن قرب وبعد. وتقدم لنا موقفا يبرهن ضعف شخصية بعض الموظفات، حيث تقول: لاحظت أن بعض المعلمات عندما يغبن عن الدوام اليومي لا يقمن بالاتصال على المدرسة لإبداء عذرهن بل يتركن المهمة لأزواجهن بالاتصال رغم قدرتهن على ذلك. زوجي أجرأ مني تقول الأستاذة نورة محمد.. مديرة مدرسة ثانوية:هاتفني زوج معلمة في الإدارة المدرسية وطلب مني الاستئذان لها للخروج لمشوار يخصها، رغم حضورها للمدرسة ذلك اليوم وعندما سألتها، لماذا لم تطلبي مني ذلك فليست هناك حواجز بيننا، وهذا من حقك ولك ظروف خاصة والنظام لا يرفض ذلك، قالت أنها تخجل من طلب حقها وزوجها أجرأ منها على ذلك لذا كلفته بتلك المهمة (الصعبة). وتشير الأستاذة نورة أن هذه من الأمور المؤسفة جدا في شخصية بعض المعلمات واللاتي من المفترض أنهن وصلن لدرجة كبيرة من النضج الاجتماعي. استدعاء الشرطة مديرة مدرسة ثانوية أخرى تقول أثناء فترة الاختبارات أصدرت تعميما بعدم خروج المعلمات آخر يوم إلا بعد التصحيح ورصد الدرجات والتوقيع على الانتهاء من أعمال الاختبار حتى يستطعن التمتع بالإجازة. وقبل نهاية الأعمال، في ذلك اليوم اتصل زوج معلمة يطلب خروجها لأنها أنهت العمل، تعجبت من ذلك وقلت له لم تخبرني هي بذلك ولو انتهت فلها حق الخروج بعد التوقيع، وعند التحقق وجدت أنها لم تكمل العمل. فطلبت أن تنهي عملها لتخرج، بعد ساعة اتصلت الشرطة علي تفيد بأن ولي أمر معلمة يقول أني حجزت المعلمات.!! ولم أسمح لهن بالخروج.. فتناقشت مع الشرطي وأخبرته بأنه مسئول ولديه أنظمة وأنا كذلك مسئولة ولدي أنظمة والأمر ليس كذلك وهو أبسط مما يتصور. فتفهم رجل الأمن الأمر وحفظ الموضوع. تستأذنه لاستخدام المستحضر تقول الموظفة هيلة/ - موظفة بنك -: حضرت عدد من المندوبات لشركة مستحضرات تجميل وقدمن عينات للتجريب، ومن ثم الاختبار بعد التجريب والمستحضر والشركة معروفة لدينا .فقدموها لإحدى الزميلات فأخذتها، ثم أخذت جوالها وتحدثت مع زوجها تستأذنه هل تأخذ العينة أم لا؟؟ لقد استغربت تصرفها لأني أرى مثل ذلك أمرا يرجع لها أولا وأخيرا. يمنعها من الإشراف المشرفة الجازي تقول: بسبب إشرافي على عدد من المعلمات فالنماذج متعددة وأستطيع القول أن نسبة 40% منهن لا يحركن أمرا ما إلا بعد إذن أزواجهن، فالأزواج يتدخلون في خصوصيات أعمال زوجاتهن على (غير سنع). إحدى الكفاءات الجيدة من المعلمات، رشحت للعمل مشرفة وتم ذلك وقبل أن تكمل الفصل الدراسي من مباشرتها ومباركتنا لها عادت، وبعد عودتها اكتشفت الحقيقة فزوجها لا يريدها أن تكون مشرفة لأنه يفضل أن يكون دوامها واحدا ومحددا ومعروفا، بغض النظر عن كفاءتها، وتؤكد أن بعض المعلمات يمتنعن من حضور دروس نموذجية تطبيقية في مدارس أخرى ليس بسبب المواصلات، ولكن بسبب أن أزواجهن يرون أنها لا تفيد ومضيعة للوقت. وعدد كبير من المعلمات يرين أن حضور الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تحمل مستجدات حديثة في عملهن مضيعة للوقت و(كلام فاضي) على حد تعبير زوج إحدى المعلمات التي لم تخجل من نقلها لي. وتشير المشرفة الجازي بأن هناك معلمة كانت منتدبة لمدرسة ما وكانت متميزة جدا وخلوقة، ولسبب ما تأخر عودتها لمدرستها وبعد أيام رغم أني وعدتها والأمر جار على ذلك ،اتصل زوجها على جوالي الخاص وقدم نفسه لي بمسماه الوظيفي الكبير، ظنا أني قد أخافه – وعندما تحدث وعرفت المشكلة أجبته أن الموضوع منته وكلها أيام وتعود واتصاله كان متعجلا ،في اليوم التالي عاتبت المعلمة على تصرفها بإقحام زوجها في الأمر وإعطائه رقم جوالي الخاص ولو كان اتصاله على هاتف المكتب كان أكثر قبولا. المشكلة والعلاج؟ هذه من النماذج السلبية للنساء العاملات تتواجد في أكثر من قطاع على مختلف المستويات فكيف يمكن أن نتعامل مع هذه المشكلة..هذا ما توضحه الأستاذة هاجر نياز ماجستير ومستشارة أسرية ورئيسة اللجنة الوطنية للطفولة بوزارة التربية والتعليم، حيث تؤكد بأن عمل المرأة يعطيها الكثير من الإيجابيات، لعل من أهمها استقلالها بشخصيتها. إلا أن هذا الاستقلال لا يكون ناتجاً عن عمل المرأة فقط، إذ أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى هذه الاستقلالية في الشخصية منها: تقبلها لهذه الفكرة واستعدادها لذلك، وهذا يؤثر فيه بدرجة كبيرة تربيتها وثقافتها.وتصقل بعملها. مشاركة متوازنة وحول مشاركة الرجل –الزوج- للمرأة في تفاصيل حياتها العملية تقول نياز بأن هناك أمورا بين الزوجين ينبغي أن يطلع كلٌ منهما فيه الآخر مهما صغر أو كبر شأنه، مثل الأمور المنزلية، تربية الأبناء ومشاكلهم وقضاياهم إلى غير ذلك من الأمور الخاصة بهما كزوجين مشتركين في سفينة الحياة، أما فيما يخص عمل المرأة وما يدور فيه فهذا من حق الزوجة وليس من الضروري أن تطلع زوجها على كل ما يدور فيه، إلا في حالة أن هناك أمراً طارئاً أرادت أن تستشير فيه أحداً، ورأت أن تستنير برأيه. وتنصح نياز المرأة العاملة بأن لا تخبر زوجها بكل تفاصيل ما يدور في حياتها العملية وعلاقتها مع صديقاتها، لأن ذلك سلاح خطير قد تعود عواقبها الوخيمة لا حقاً عليها بالدرجة الأولى. وأن تأخذ العبرة من قصص من سبقها من النساء العاملات من كن يعملن ذلك ويمارسنه فكان عاقبة ذلك وبالاً عليهن. وتشير إلى أن اللاتي يفرضن وجود أزواجهن فهذا يدل على تربية وثقافة هؤلاء النساء وانهزاميتهن، وإلا فما معنى أن تشرك المرأة – سواءَ كانت عاملة أم لا – زوجها في كل أمر تقدم عليه وإن كان لا يخصه، إلا لضعف في شخصيتها وعدم قدرتها على تحمل مسئولية نفسها واتكاليتها على الغير هذا من جانب. أما الجانب الآخر فلاعتقادها أن ذلك يقربها منه، وما علمت أن ذلك سلاح ذو حدين قد تنقلب عليها نتائجه سلبياً. الأزواج ملوا من الزوجات الاتكاليات وتوضح نياز قائلة: إنه كوني مستشارة أسرية كم من أزواج تواصلوا معي معتقدين أنني أقوم بدور الخاطبة لكي أسعى لتزويجهم، وعندما أسأل عن السبب في زواجهم للمرة الثانية، كان معظمهم يجيب أنه ملَ من اتكالية زوجته عليه في كل أمورها وإن صغر، وعدم قدرتها على البت في أمور حياتها سواءً الشخصية أو العملية بالرغم من كونها امرأة عاملة، وأنه يهفو إلى الارتباط بامرأة قوية تشاركه الحياة جنباً إلى جنب لا تابعاً له في كل أمر، وفي حال زواجه بالأخرى فإنه سيبقي زوجته الأولى معه كأم لأبنائه ورحمةً بها. ومن خلال عملها كمستشارة أسرية لخصت نياز المشكلات المترتبة على المرأة من مثل هذا السلوك وهي: - فقدانها لذاتها وشخصيتها، فبدلاً من أن تصبح شريكة في شركة الحياة الزوجية تصبح شيئاً هامشياً في هذه الحياة. - فقدان احترام الزوج، فالرجل عموماً يحب في زوجته أن تكون شريكة له في حياته تبادله الرأي والمشورة، لا أن تكون عبئاً عليه تقحمه في كل تفاصيل وأمور حياتها العملية، وإن كن يظهرن سرورهن ورضاهن بذلك، إلا أنهن في الواقع غير ذلك وهذه هي الطبيعة البشرية. - الأخطر من ذلك كله هو تأثر الأبناء بهذا الوضع وخاصة الفتاة والتي ستكون صورة أو نسخة من والدتها في شخصيتها الانهزامية. الشراكة المتضامنة هي الأنجح وتبين الأستاذة هاجر بأنه يمكن للمرأة العاملة أن تؤدي عملها المطلوب مع المحافظة على تجويد العلاقة مع زوجها دون المساس بشخصيتها وبنجاح، وذلك من خلال تذكيرنا لها بأن الزواج هو عقد شراكة بين طرفين، أسهمهما فيه متساوية، ينبغي أن يتضامنا معاً لإنجاح هذه الشركة، دون أن يكون هناك تجاوزاً من أحدهما لحق الآخر ، ذلك أن البعض من يعتقد أن الزواج هو عقد تملك يبيح لأحد الطرفين أو كلاهما أن يتملك الآخر كما توصي الأزواج باتباع سنة المصطفى وحياته مع زوجاته ففيها الكثير من العبرة والعظة، فمن سار على هديها فقد فاز، ومن أعرض عنها فقد خاب وخسر.