قرار مجلس الوزراء الأخير بتفعيل الغرامة والعقاب على مُصدري الشيكات غير المغطّاة (بدون رصيد أو برصيد يقل عن القيمة) قرار جيّد لا في حماية حق المستفيد فحسب بل في ردع التلاعب والاستهتار ، وأيضا في تحسين صورة البلد وتطبيق ما جاء في الشرع – الوفاء . والمتتبع للتعامل التجاري في جزيرة العرب يرى أن الثقة كانت هي السائدة قديما . وكان التاجر في الشام يُرسل طلبات تاجر شبه الجزيرة العربية بما كان يعتمد أساسا على السمعة السوقية ، ورفعة أهلية طالب البضاعة . ثم هبطت الحالة إلى مرحلة سيئة وهي تدخّل المصارف بحيث يدفع المستورد القيمة بما يسمّى " فتح اعتماد " ولا زال هذا النهج مُتّبعا . كذا سوق التعامل اليومي ، فلم توجد الشيكات في حياتنا إلا أخيرا . وقليل مستعملوها . ويبدو أن الناس " ملّوا " من الثقة وعمدوا إلى التلاعب وكلفوا القضاء والمحاكم وقتا وجهدا . وكلمة"الشيك" مفرداتيّا دخلت إلى الإنجليزية في القرن الرابع عشر الميلادي . ولم تكن لتعني غير معنى " التظهير " – أي التوقيع على ظهر مستند ما ،أو "التجيير" وتظهير القيمة ( خلف المستند عادة ) . والكلمة ذات هجاءين ، كلاهما صحيح وهما CHEQUE و CHEQUE . الرأي أن تفعيل مواد عقاب جيّد بحد ذاته لكن ألا ترون أنه مسبوق بوعي الناس؟ فالناس أصبحوا حذرين ، وبالأخص الطرف القابض . وسألتُ فاضلا وأستاذ قانون فسمعت منه أنّ إصدار الشيك بدون رصيد لا مانع منه شرعا إذا كان سيغطي قيمة الشيك في موعد استحقاقه، أما إن لم يقم بذلك فهذا حرام لما فيه من عدم الوفاء بالوعد، وأكل أموال الناس بالباطل، وإلحاق الضرر بالناس وغير ذلك. أقول إن الخلل رمم نفسهُ لأني رأيت أن التعامل بالشيكات بدأ بحد ذاته يتضاءل ، وقد يختفي ، أو هو اختفى بالفعل . فالناس مهما بلغت ثقتهم ببعض صاروا يُفضلون ما يُسمّى ب " الشيك المصرفي " أن يسحبهُ ويُوقعهُ البنك على نفسه ، والمبلغ بذمته ( بذمة البنك ) ولم يعد للساحب سلطة عليه . وبعد التحويل الإلكتروني والتعاملات المالية المعاصرة ، صار المستفيد يُعطي رقم حسابه للساحب ويتوقّع إشعارا (ربما بالجوال) من مصرفه ليقول له : دخل المبلغ في حسابكم . حذر الناس أيضا امتد إلى شركات بيع السيارات ومحلات الأثاث الغالي وكذا شركات بيع وتركيب الأجهزة المنزلية . فهي تقبل الشيك العادي من العميل لكنها لا تُحرك ساكنا إلاّ بعد التأكد من تحصيل المبلغ كاملا ، وأنه جرى قيده في حساب المستفيد ، بموجب (برنت) أو مستند مماثل . وما دمنا بصدد المال والدراهم ، أحذر إخواني المواطنين من التساهل في التعامل المالي عبر بطاقات الائتمان . فحكايات الاحتيال أكثر من أن تُحصى . وقبل يومين سمعتُ ممن أثق بقوله أن مبلغا معينا جرى قيدهُ على بطاقته الائتمانية . لا يعلم عنه شيئا ، و ب "ديرة" بعيدة .. !! ، لم يذهب إليها في حياته .