أحسب أن الصراعات ، والتخوّفات ، وحالات القبول الحذر أو الرفض القاطع للمستجدات الحياتية ، أو الفكرية في مجتمعنا، والأفكار الجديدة التي أنتجتها العولمة ، والحداثة ، ومنتج الوعي المعرفي في هذا العالم الواسع التي أثرث وكان لها أن تؤثر في فهمنا ، ومناحي حياتنا هي حالة طبيعية جدا ، والدارس أوالباحث في تحولات المجتمع عليه أن لايخضعه لقياسات المجتمعات الأخرى ، ولا ينظر اليه بمنظور شعوب ، ومجتمعات تدرجت في عملية صياغة الوعي ، وصناعة التحديث ، وسارت وفق أنماط مدروسة وممنهجة؛حيث فرض ذلك النمط تقارب الفهم ، وعقول الاجيال ، ورؤيتها الى التطلعات ، والمستقبلات ، والاستشرافات التي من شأنها التأثير في نهضة المجتمع الفكرية ، والصناعية ، والإنتاجية من خلال أفق واضح ، وفضاء ثقافي متجانس ، وليس فيه ذلك التباعد في الفهم ، أوالاستنتاج ، أو التأويل ، أو التفسير . مجتمعنا حين نخضعه للدراسة ، والبحث ، ونقرأ تحولاته ، وما طرأ عليه من مستجدات ومتغيرات ، علينا أن نفهم في البداية أن ثمانين سنة ، أو أقل أو أكثر هي أشهر في عمر الشعوب والأمم والمجتمعات ، فيها تحدث المخاضات الطويلة ، والولادات العسيرة للرؤى ، والأهداف ، والغايات ، وفيها تكون الأخطاء التي تقود الى التصويبات ، وسد الفجوات ، وتدارك الخلل في المسيرة التنموية ، والإصلاحية ، والانعتاق من أفكار الماضي التي لم تعد موائمة لمفاهيم ومنتج العقل البشري . عندنا، الأمر مختلف تماما . تماما . ثلاث مراحل عمرية متقاربة ومتعايشة ومعاصرة لزمن قصير ، لكن التحولات فيه مبهرة ، إذا لم نقل أسطورية . وربما خرافية ، فهناك جيل نشأ ولايزال بعضه على قيد الحياة وهو لا يعرف القراءة والكتابة ، ولا كيف ترسم الألف ، ويكون محظوظا ونابغة ذلك الذي أتيح له أن يحفظ شيئا من السور القصار في جزء " عم " . إذ إن الكثرة الكاثرة بالكاد تحفظ الفاتحة ، والمعوذتين ،بها يؤدون صلاتهم .ويعاصرهذا الجيل الابناء الذين تعلموا في المدارس تعليما أكاديميا لكنهم توقفوا عند الشهادة الثانوية ، وهي شهادة كانت تعادل الدكتوراه قبل أربعين سنة . ثم أتى جيل الاحفاد الذي يتلقى تعليمه في جامعات أوربا وأميركا ، ويجلس في مكتبات جامعة أوكسفورد ، وجامعة هارفارد ، والسوربون يبحث ، ويدرس ، ويطور الفهم ، ويتعامل مع المعرفة ، والثقافة بكل ثقة، وكأنه قادم من مجتمع احتفل بدفن أميته منذ مئات السنين . إذن : دراسة التحولات الاجتماعية يجب أن تراعي هذا ، ويجب أن نفهم الصراعات الفكرية ، والاختلافات من خلال هذا المنظور، وهذا التباعد في المفاهيم . فقد عشنا حقبا زمنية طويلة في حقبة واحدة .