في حياة الأمم، والشعوب، والمجتمعات تبرز قيادات تاريخية بين حين وحين، فتؤثر في مسارات وحياة وتطلعات هذه الأمم والشعوب، وتكرّس في فضاءاتها تحولات مفصلية في الفهم، والتوجه، والإنتاج، والتعامل مع المستجدات، وترتقي بها إلى مستويات مبهرة من الوعي في صناعة التاريخ، وصياغة العقل المفكر والمنتج الذي يُخضِع أدوات العصر إلى حالة نمو، وتنمية، وعطاء حضاري وإنساني. تبرز هذه القيادات في سماء الأمم كالشهب المضيئة، تبدد الظلام الذي يحجب الرؤية، ويعتم الدروب، ويجعل المسار ضبابياً غير واضح المعالم، والمسالك، وتعمل هذه القيادات التاريخية ، التي نادراً ما تأتي في حياة الأمم والشعوب ، إلى إحداث نقلات، وترسيخ وثبات تاريخية تختصر المسافات الزمنية، وتحقق للإنسان، والبشرية فعلاً تنويرياً، تقدمياً، يتماهى مع طموحاتها، ويُسهم في القضاء على معوقات التحديث، والتطوير من تخلف، وجهل، وارتكاس في المفاهيم البليدة. والملك عبدالله بن عبدالعزيز هو واحد من هذه القيادات التاريخية المتميزة، والمميزة، وهو أحد الزعماء المعاصرين المؤثرين في صناعة التاريخ العربي والأممي المعاصر. فقد استشرف آفاق المستقبل، وأدرك حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها العالم العربي، والمشكلات التي يتخبط بها منذ حين وتعيق مسيرته الحضارية، والتنموية، وتهدد مستقبلاته. وعمل بوعي وحكمة وقدرة على إحداث النقلات النوعية إن في مجال الحوار الأممي، وإن في مجال الاقتصاد واحتواء الأزمة العالمية، وإن في نشر الوعي، والمعرفة، والعلم، والتنوير، وإن بالإسهام في صنع السلام، والأمن، والاستقرار للبشرية كي تقوم بوظائفها، وواجباتها في ثقافة الحب، والتقارب، والفهم، وإن في تحديث وتطوير أنماط الحياة في المجتمع السعودي، ودفعه إلى مجالات رحبة، وفضاءات جيدة من وعي العقل، وفهم الآخرين، والتصالح مع الذات ومع العالم في قضايا كثيرة كانت معقدة وشائكة. الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو واحد من رموز التاريخ المعاصر وصانعيه والمؤثرين في مساراته، وقد وضع بصماته بكل جدارة على تحولات كبيرة لعل أبرزها «حوار الأديان» وتعزيز فرص السلام لتختفي الحروب وتحل التنمية بديلاً عنها، وبرنامجه للابتعاث الخارجي من أجل صياغة محتوى الأجيال، وتأهيلهم لمجتمع المعرفة، واستشرافه الحكيم في إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. إذن: إذا اختارته مجلة «فوربس» الأميركية ضمن قائمة أهم 67 شخصية في العالم، فإن هذا أقل تكريم لصانع تاريخ.