مثل كثيرين أغراني العنوان على الذهاب والاستماع، " المثقفون وخطاب كرة القدم ! " مثلما حفزني ما أعرفه عن المتحدث، محمد عباس، الذي يتصدر قوائم المثقفين والكتاب. قلت هي معركة اذن تنتقل من ملاعب اللهو الى ساحات الجد، ففي أيهما ستستقر كرة الضربة الأخيرة؟ بالنسبة للمثقفين وغير المثقفين والأميين والمهنيين وربات البيوت، بالنسبة لكل الناس ، كرة القدم لعبة، ليست هي الأهم رياضيا – فكمال الأجسام الذي عرفته الشعوب والحضارات القديمة يتقدم الكرة أهمية في بناء الجسم السليم وعاء للعقل السليم، ومن ثم كانت الرياضة جزءا من التربية مع التعليم لدى تلك المجتمعات - ولكنها الأخطر كسلاح شعبي رخيص للالهاء تلجأ اليه أجهزة الادارة لشغل البسطاء عن احتياجاتهم الضرورية التي تعجز عن الوفاء بها مثلها مثل الأغاني الهابطة التي يرددها الناس بدلا من شعارات الشكوى أو الاحتجاج .. يحدث هذا في العالم كله بلا استثناء وإنما مع تفاوتات في الدرجة من بلد غني الى بلد فقير، وفي بلدنا الكريم قدمت الكرة بديلا مناسبا عن السينما والتفحيط والخلافات المذهبية والانتماءات الطائفية، وهو هدف عظيم، لكنه في كل الحالات مهما ارتفع أو انخفض الاهتمام بهذه الرياضة، ومهما حققت من انتصارات أو إخفاقات في بلد عن بلد تبقى كرة القدم كلعبة شعبية غزت كل الأراضي وكل العقول هي أبرز وأهم وأخطر أنواع المخدرات المشروعة يليها الأغاني الهابطة والفجة.. كنت أقول: ما الذي سيقوله المتحدث عن المثقفين وخطاب كرة القدم غير استشهادات بآراء بعض المفكرين المشهورين من أن انهيار العقول يبدأ من سقوط التفكير من الرأس الى القدم، لكن المفارقة الصادمة جاءت من تدعيم المتحدث بتلك الاستشهادات لدعوته أن يحتذي الخطاب الثقافي لدينا خطاب كرة القدم في الملاعب .. روح رياضية في المنازلة والصراع والنصر والهزيمة والتسليم. الحقيقة أن المتحدث سرد سردا مطولا لأسماء كتاب ومفكرين مشهورين من الغرب أفردوا مؤلفات عن كرة القدم فيما يشكل دعوة الى مثقفينا لأمرين، الأول تبني هذه اللعبة واتخاذها مثلا أعلى في خطاب الثقافة، والثاني حض على احتذاء التقليد الغربي في اهتمام المفكرين ب " خطاب كرة القدم " والمحاضرة في ذاتها فاتحة هذا الاهتمام. هنا أترك الحديث والمتحدث وألتفت الى " ملعب" الثقافة .. القضية الفكرية والثقافية المثارة هي " كرة القدم " وقبلها – كما ذكر المتحدثون – كانت القضية : " المثقفون وخطاب القهوة " وغيرها " المثقفون وخطاب البلوت " وربما القادمة " المثقفون وخطاب التفحيط "، فعند هذه القضايا ربما أرى مؤشرا يتجه – ثقافيا - الى حضيض الهبوط، وآخر – كمقياس ريختر – أفلت من الرقم الأخير، واذا أردت أن أرصد هذا التحول ففي المتحدث نفسه وقناعاته، فمنذ ما يقرب من عشر سنوات كان ينعى على الاتجاهات الأدبية والنقدية التى تجتهد في الافادة من مدارس الغرب وروادها من مثل رولان بارت وسوسيير وغيرهما قائلا عن نقادنا – وحرفيا – يستوردون نظريات تم تصنيعها في معامل وعي الآخرين في الغرب" .. هو الآن أول المستوردين لصرعات الدعوة الى هبوط الفكر من الرأس الى القدم .