على الرغم من الحضور الثقافي النوعي للشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة في المشهد الثقافي العربي عموما والخليجي خصوصا فإن الشارقة لم تكن تعني الكثير لمتابع على استحياء أوضاع الثقافة في إمارات الخليج، بيد أن القرب المكاني من الإمارة قد أتاح لي فرصة ثمينة لمعرفة هذه الإمارة المثقفة. وإذا كنا نحتفل عاما بعد آخر بعواصم الثقافة العربية فإن الشارقة تستحق فعلا أن تسمى إمارة الثقافة العربية لما تجده فيها من وهج وألق ثقافي على مدى العام تستوعبه أنشطة كثيرة في مجال الشعر والأدب والمسرح والفن التشكيلي، فضلا عن معرض الشارقة الدولي للكتاب والمتاحف الدائمة، وقلب الشارقة الثقافي الذي ما ان تدلف إلى عرصاته حتى تبحر في ذاكرة المكان بعيدا عن ضجيج المدينة الصاخبة. عندما يقف الشيخ المثقف أمام مدينته الجامعية التي تضم جامعتيْ الشارقة والأمريكية بالشارقة ويشرح لك خطوات تنفيذها، وكيف كان ينصرف بعد صلاة الفجر ليتفقد مبانيها ويشرف بنفسه على مراحل التنفيذ الذي استغرق وقتا قياسيا مقارنة بالمدن الجامعية التي تنفذ في منطقة الخليج، فإنك لا تستغرب على هذا الرجل أن يقف على تفاصيل البرامج الأكاديمية في الجامعتين، ويتفقد الفعاليات الثقافية بنفسه، ويضع ملامح الحركة الفكرية بنفسه، ويعرف ما يدور خلف كواليسها، وتربطه علاقة حميمة بالقائمين عليها يعودهم في أمراضهم، ويزورهم في مناسباتهم، ويتفقد أحوالهم فهم بالنسبة له شركاء في الهمّ الثقافي لا موظفون لدى حكومة الشارقة. قرأت مذكراته التي أسماها "سرد الذات" فوجدت تواضعا جمّا يدل على خلق الرجل الكريم، فلم يكن يحاول أن ينسب لنفسه الكثير من الأحداث قبل نسبتها لزملائه وخصوصا تلك التي قادها مستهدفا الوجود البريطاني في إمارته وهو شاب على مقاعد الدراسة المتوسطة والثانوية. تبحر مع ذاته وهو يسردها على صفحات كتابه فتتعرف إلى طبيعة مقاومة الاحتلال، وتتجلى أمامك صلابة القيم وثبات المنهج وتجذر المبادئ عند رجل يعيش مرحلة من تاريخ أمة تترنح بين الأيديولوجيات والأحزاب والحركات السرية، فيكون مع قناعته وحده لا تجرفه التيارات مهما علت أمواجها وارتفع هديرها، وسرعان ما ينأى بنفسه عن كل ما يشوه علاقته بأمته من أفكار تجنح بالمقاصد عن مساراتها الطبيعية . اختير هذا العام شخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وهو بحق يستحقها في كل عام، لأنه واجهة مشرقة للثقافة الإماراتية والخليجية، وفي اعتقادي أنه من الحكام القلائل في عصرنا الحاضر الذين يعطون الثقافة والفكر حيزا مهما وأساسيا من اهتماماتهم اليومية. الدكتور سلطان القاسمي حاصل على درجتي دكتوراه من جامعتين بريطانيتين هما جامعة إكستر في التاريخ، وجامعة درم في الجغرافيا السياسية للخليج، وهو حاصل على حوالي 13 دكتوراه فخرية من أرقى الجامعات العالمية، وفاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والمسلمين. وقد صدر للشيخ الدكتور سلطان القاسمي حوالي 30 كتابا في مجالات الفكر المختلفة وتحتل الكتابة للمسرح حيزا كبيرا في إصدارات سموه. وتدرّس عدد من الجامعات كتب الدكتور سلطان الذي يعد مدرسة قائمة بذاتها خصوصا في تاريخ الخليج الذي أنشأ له دارة الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية أضفى عليها جزءا من ذاته عندما وهبها ممتلكاته الشخصية من كتب ومخطوطات وصور وأفلام بحيث تمتاز عن غيرها من الدور التي تعنى بتاريخ وحضارة الخليج.