بعد حين من الدهر، ربما كان شيئاً مذكوراً، عادت بي ذاكرة الأيام إلى حيث نقطة البدء حين برمت أول خيط من خيوط سرج حصان حلمي الذي رعيته طويلاً ومنيت نفسي به كثيراً من أجل أن أعدو في حلبات ومضامير الحياة. حين تذكرت اللحظة تهللت أسارير وجهي وأيقنت أن ذلك الحلم لم يكن مجرد ضغث من أضغاث أحلام، بل كان بداية حقيقية لجنين سيكبر مع الأيام حتى يكتمل نموه. هكذا كانت بدايتي مع الصحافة، حين حط طائر شجني في «الرياض» قبل سنوات، حيث مارست على أغصانها شدوي وتغريدي شاعراً أعطته ما تعطيه لكل مبدع من اهتمام وتقدير، لا من قبل مدير تحرير شؤونها الثقافية الأستاذ الشاعر سعد الحميدين فحسب، بل ومن قبل العميد الأستاذ تركي السديري رئيس التحرير، وهكذا أعود مرة أخرى بعد انقطاع لا قطيعة. أعود لا شاعراً مغرداً فقط، وإنما كاتباً يتمنى أن تهبه «الرياض» كاتباً مثلما ما وهبته شاعراً. وحين تقرؤني الأعين هنا أو هناك وتلوكني الألسن إعجاباً أو خلافه فذلك ما كنت أبغي، لكني بالتأكيد سأكون ممتناً لمن قرأني بعين الصدق فأحسن نصحي بما لا يرضاه مما كتبت، ووهبني ما أستحق بما يرضيه فيما قرأ، فكاتب يكتب دون أن يعرف رأي قرائه كلاعب كرة يلعب لوحده بدون جمهور. الكتابة مسرحية طويلة أطول من المسلسلات المكسيكية جمهورها القراء ومخرجها الصحيفة ونجمها الكاتب، فكلما أبدع النجم صفق الجمهور، وكلما صفق الجمهور تحمس النجم للتفاعل أكثر مع الدور، أما المخرج فهو صانع النجومية الأول الذي يرسم الدور بالطريقة الأفضل ليشع النجم ويزداد بريقه. هكذا هي «الرياض» الجريدة التي تضم العشرات من نجوم الكتّاب والإعلاميين المميزين، هكذا هي بوعيها بالرسالة الصحفية، برئيس تحريرها وبكافة محرريها، هكذا هي بتفوقها وبتزعمها لا لصحافة المملكة فحسب، بل لصحافة الوطن العربي بأكمله حين يحقق موقعها الالكتروني الصدارة عربياً، وما أروع أن يقرأ المغترب جريدته المفضلة وكأنه قد ابتاع العدد المطبوع من خلاف ملف البي دي إف، وهكذا أعود إليها بعد عدد من الحجج ولكني أعرف الدار جيداً وبدون توهم.