تتجذر علاقات سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز وروابطه بالمؤسسة العسكرية على نحو عميق من الألفة والتداخل والاستعداد الوجداني، والواقع أنما عبَّر بوضوح عن محتوى هذه العلاقة الفريدة أن سموه الكريم وفي غمرة وقائع الاستقبال البهيج بعودته معافى بحمد الله من رحلته العلاجية، والوطن الغالي يحشد من الماء إلى الماء أفراحه ومباهجه بذلك المستوى المرهف من العواطف الاستثنائية والمشاعر العفوية، وفي لفتة غير مستغربة ضمن أول تحرك له، سجل سموه زيارة فورية لجنوده البواسل من جرحى القوات المسلحة الذين دافعوا باستماتة عن حياض الوطن ضد فلول المعتدين، حيث لم يُنسه دفء عاطفة مواطنيه واجباته المشهودة التي لطالما آثر القيام بها في كل الظروف عاكساً بذلك حرصاً وافياً بصحة جنوده واهتماماً خاصاً بالقوات المرابطة على حدودنا الجنوبية فضلاً عن أن المبادرة حققت جرعة كبيرة من المعنويات لمن هم في ميدان المعركة، وستظل تلك الإحساسات الأبوية الخالصة التي طبع فيها سموه الكريم قبلاته على جبين أبنائه الجرحى في رمزية عميقة، ستظل من المشاهد المؤثرة البالغة الدلالة وهي الأحاسيس التي تداولها أبناء الوطن طويلاً في مؤانساتهم ومسامراتهم ورسخّوا ملامحها الجميلة على ايقاعات حياتهم اليومية بالمستوى الذي جعلهم يستأنفون صياغة جديدة لمفاهيم المودة والالتزام والانتماء على نحو يحرر طاقاتهم القصوى ويبذلها لصالح الوطن بامتداده وبهائه، لقد أحالهم سموه الكريم على ممكنات التقارب الشعوري وضروراته ومحفزاته التي تسع جغرافية الوطن منبعاً ومورداً، ضارباً أروع المُثل في الوفاء بالتزاماته القيادية ومسؤولياته الأبوية تجاه أبنائه الضباط والجنود.. وفي سياق حضور هذه المشاعر الدافئة ترجمت ردود فعل الجرحى عمق ارتباطهم الوثيق بقادتهم مرتفعين على آلامهم، وهل هناك أبلغ مما قاله أحد أولئك البواسل أمام سموه: وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.. هذه الروح المعنوية المرتفعة كان باعثها الاهتمام الكبير الذي تُسديه القيادة الرشيدة نحوهم دعماً ومؤازرة واحتضاناً، وكان مغزاها الزيارة المهمة التي أداها خادم الحرمين الشريفين لجنوده في جبهة القتال، فضلاً عن لفتة سمو ولي العهد الذي آثر أن يوسع دائرة تقديره لهم غامراً بعطفه أبناء وأسر شهداء الوطن باذلاً مكارمه ومواقفه ليدنو من الجميع داعماً ومواسياً وملبياً، ولم تغب عن تقديره - حفظه الله - استحقاقات من شرَّدتهم أعمال العدوان من النازحين فكان حنانه ملامساً لأوجاعهم يخفف عنهم ويعدهم بغدٍ أجمل ووطن يحتوي أبناءه بشموخه وكبريائه.. لقد استطاع سلطان الخير أن يترك بصمته المؤثرة ولمساته الحيوية التي طبع بها الكثير من المواقع التنفيذية التي تقلد أعباءها خبرة وسلوكاً ومنهاجاً أخلاقياً متصدياً لمتطلباتها بجملة من الإعدادات الملهمة التي تستشرف آفاق العصر، وعند تسلمه مقاليد حقيبة الدفاع دشَّن سموه عهداًجديداً من الفتوحات التنظيمية في وزارته بإعادة ترتيب القوة البشرية للقوات المسلحة بمنظومة من الكليات العسكرية المحترفة التي أخذت بأحدث منتجات التخطيط والتنظيم والتطوير لتزويد القوات المسلحة بأعلى مستويات التأهيل، وتوفير مدارس ومعاهد ومراكز التأهيل والتدريب الجديدة، وإحداث مجالات جديدة للتسليح والتطوير وإنشاء المدن والمستشفيات العسكرية المتكاملة، وبعبارة واحدة فإن الذي أحدثه سمو الأمير سلطان للاضطلاع بجهود تهيئة قوات مسلحة عصرية للوطن كان انعكاساً لمستوى عال من العمل المضني والمواكبة المستمرة لأحدث التطبيقات التقنية في مجالات التدريب والتسليح والتثقيف والابتعاث، فضلاً عن بناء معايير جديدة في فنون القيادة والسيطرة ونظم المعلومات المالية والإدارية والتموين وتطوير الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة كالقوات البرية المزودة بأنظمة تسليح متطورة وشبكات الاتصال وأنظمة الصيانة، والقوة الجوية المجهزة بأحدث الطائرات ذات القدرات المختلفة، والبحرية التي تمتلك ناصية ممتازة في مجال التنظيم والتسليح للوصول إلى مستوى من الحضور والجاهزية المنافسة، ولن يكتمل مشهد إضافات الأمير سلطان بن عبدالعزيز المهمة دون الإشارة إلى المؤسسة العامة للصناعات الحربية ذلك الكيان الذي ولد عملاقاً ليس في تزويد قواتنا المسلحة بقطع الأسلحة الصغيرة والذخائر وأنظمة الملبوسات، بل وفي جاهزيتها للمشاركة مع القطاع الخاص في التصنيع المشترك ومجالات البحث والتطوير. لقد أتاح سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز وبموقع مسؤولياته واهتماماته وانفتاحه على ثقافة المنافسة والجدارة مجالات واسعة لازدهار وشائج عميقة من الروابط والولاءات بين أبناء القوات المسلحة يركز عليها كثيراً في زياراته الدورية ناصحاً ومشيداً ودافعاً للأمام، وهي التي عكست مستوى عالياً من التفاهم والانضباطية والروح الايجابية التي تنتظم حواراتهم وتشبثهم بكل ما يؤدي إلى تطوير ذواتهم ويجعل قواتنا المسلحة في موقعها المرموق أداءً واستجابةً لتحديات العصر واستعداداً لمقتضيات المنافسة الجارية. وعلى هذا النحو فإن دور المؤسسة العسكرية في مملكتنا كما يقول سموه الكريم (لا تقتصر أعمالها على الأعمال العسكرية وشؤون جنودها وضباطها وأعمالها، بل تتعداه أكثر حيث إنها تخدم المجتمع السعودي في صحته وفي بيئته وفي تطوراته وفي اقتصادياته). وهي الثقافة الحياتية التي سعى إليها سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز طوال سنوات تبوئه مهام قواتنا المسلحة بأن يعمل على إزالة ذلك الحاجز المتوهم الذي يقف عالقاً بين المؤسسة العسكرية والحياة المدنية من خلال بناء شراكة من الفوائد المتبادلة بما يجعل مسؤولية الوطن وتطوره وحمايته وتعزيز حضوره موضع اهتمام الطرفين في المقام الأول.. الرياض