بعد شبه توقف لنبض الحياة في برنامج استثمار الطاقة الشمسية التي تتمتع المملكة بدرجة سطوع عال من أشعتها على مدار العام تقدر بحوالي 20000 كيلو وات لكل متر مربع سنوياً، وذلك من خلال مشروع القرية الشمسية في بلدة الجبيلة شمال مدينة الرياض قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وما وعدت به تلك البلدة والقرى المحيطة بها من تزويدها آنذاك بطاقة كهربائية بمقدار 350 كيلو وات من المشروع، تم بعث الحياة من جديد في هذا البرنامج عبر ما أطلقت عليه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية المبادرة الوطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، بمشاركة ثلاث جهات حكومية تضم وزارة المالية ممثلة في صندوق الإستثمارات العامة، ووزارة المياه والكهرباء، والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة. وتهدف تلك المبادرة وفق ما نشر عنها إلى إيجاد الحلول التقنية الأقل تكلفة التي تسهم في دعم الاقتصاد الوطني، والمتمثلة في مشروع تطوير تقنيات متقدمة بمركز الأبحاث المشترك لتقنية النانو بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشركة آي بي إم العالمية، في سعي إلى التطبيق العملي لتقنيات النانو في مجال إنتاج أنظمة الطاقة الشمسية، والأغشية لتحلية المياه. كما تنطلق هذه المبادرة من واقع أن تحلية المياه هي خيار المملكة الاستراتيجي لتأمين مياه الشرب حيث تنتج المملكة ما نسبته 18 % من الإنتاج العالمي للمياه المحلاة، إلا أن هذه النسبة المتزايدة في إنتاج ذلك النوع من موارد المياه يعتبر مكلفاً في استهلاكها للطاقة، ويستقطع ما يزيد على ربع الإنتاج السنوي للمملكة من النفط، كما أن الطلب على المياه والكهرباء اللذين يعتمد إنتاجهما على مصادر الطاقة البترولية ينمو بمعدل 7 % سنوياً. وهذه المبادرة التي تأتي في إطار إحياء برنامج استثمار الطاقة الشمسية في المملكة ستنفذ على ثلاث مراحل مداها تسع سنوات، تهدف المرحلة الأولى منها، التي تم الشروع فيها بداية العام الحالي إلى بناء محطة تحلية للمياه المالحة بطاقة إنتاج 30 ألف متر مكعب من المياه المحلاة لسد احتياجات 100 ألف نسمة في مدينة الخفجي من مياه الشرب، وذلك من خلال بناء محطة لإنتاج الطاقة بمقدار 10 ميجا وات، تليها بقية المراحل الأخرى التي تمثل توسعاً مستقبلياً في هذا البرنامج في مناطق أخرى من المملكة. إن استخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه يعد أمراً مثالياً بلا شك، فهي بالدرجة الأولى طاقة نظيفة ومتجددة، وغير ملوثه، ولا تشكل عبئاً على البيئة ، كما أن هذا المصدر متوفر بشكل كبير على مدار العام في معظم مناطق المملكة، إضافة إلى أن الاستخدام لهذا النوع من الطاقة منخفض جداً في تكاليفه، حيث ستبلغ التكلفة المستهدفة في مشروع الخفجي لتوليد الطاقة الكهربائية في حدود 30 هللة للكيلو وات في الساعة، مقارنة بالتكلفة الحالية لإنتاج الكهرباء بالطرق التقليدية التي تعادل في تكلفتها أربعة أضعاف هذا الرقم، كما أن تكلفة المتر المكعب من المياه يتراوح ما بين 1 1.5 ريال، مقابل 2.5 – 5.5 ريالات للمتر المكعب حالياً. ما أتمناه ويشاركني الجميع في تمنيه لهذه المبادرة هو ألا تتكرر بشأنها الظروف التي أحاطت بمشروع القرية الشمسية في الجبيلة، وأن تنطلق المبادرة في عزم لتكون مدينة الخفجي سواء في تزويدها بمياه الشرب المحلاة، أم الطاقة الكهربائية، أم المجالات التي تعتمد على هذه الطاقة المتجددة، أنموذجاً يمثل الاستدامة في هذا المجال، تدعى للاحتذاء به بقية مدن المملكة الأخرى على الأقل الصغرى منها، و أن يعوض هذا المشروع الإخفاق الذي صاحب المبادرة في انطلاقتها الأولى التي لا زالت حاضرة في ذهن العديد ممن عايشوا تلك المرحلة.