36% هي نسبة المواطنين الأمريكان الذين يعتقدون بأن الله تحدث إليهم مباشرة في فترة من فترات حياتهم.. وادعاء كهذا يعني ببساطة وجود أكثر من 70 مليون مدّعي نبوة في شمال القارة الأمريكية (حتى لو لم يحمل أي منهم أي رسالة) ! وهذه النسبة هي مجرد دليل واحد على أن ادعاءات النبوة (بدل أن تختفي في العصر الحديث) أصبحت تتفاقم وتنتشر بشكل غير مسبوق .. ففي باكستان مثلا يكاد يظهر مدعي نبوة جديد كل شهر تقريبا، وفي العراق ظهر أكثر من 23 مدعياً بين حربيْ الخليج الأولى والثانية فقط ، وفي لبنان ظهر بين الدروز 6 حالات في المناطق التي تحتلها إسرائيل فقط .. وفي مصر والسودان والجزائر تفاجئنا الصحف بين الحين والآخر بالقبض على مدعي نبوة جديد أو مهدي منتظر (بل وحتى بين الجالية الإسلامية في أمريكا نفسها ظهر أربعة أشخاص منذ عام 2000 ادعوا النبوة وتمتعوا بحماية قانون حفظ الحريات الدينية) !! أما أقدم من ذلك فقد ظهر في السودان (في نهاية القرن ال13 الهجري) "محمد بن عبدالله" الذي كان له تأثير كبير على أتباعه وتوجيههم لمقاومة الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت.. وفي نفس الوقت تقريبا ظهر في المغرب من يدعي أنه ال"مهدي" المنتظر ويحمل أيضا اسم "محمد بن عبدالله" وازدهرت دعواه لتسع سنوات .. وقبل 30 عاما اقتحمت مجموعة جهيمان المنحرفة بيت الله الحرام وسفكت دماء الزوار والمصلين تحت دعوى "المهدي المنتظر" .. وفي عقد الثمانينيات ادعى "محمود محمد طه" رئيس الحزب الجمهوري بالسودان أنه نبي مرسل وأن رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) لم تعد صالحة لهذا الزمان وحكمت عليه المحكمة الشرعية بالخرطوم عام 1986 بأنه مرتد مارق من الدين! .. وإذا عدنا للخلف أكثر وأكثر نكتشف أن هذه الظاهرة عرفت في جزيرة العرب حتى قبل ظهور خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ؛ ففي كتاب مروج الذهب يسرد المسعودي قائمة بمدعين ظهروا قبل نبوءته وبعثته في مكة ؛ فهناك مثلا خالد بن سنان العبسي، وأمية بن أبي الصلت، وقس بن ساعدة الإيادي، وبحيرا الراهب، وعمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل ... (إلى آخر القائمة) !! ... وحتى خلال حياة الرسول وبعد وفاته مباشرة ظهر أدعياء نبوة في العديد من القبائل العربية؛ فهناك مثلا مسيلمة الكذاب الذي بعث للنبي كتابا يقترح فيه "مناصفة الأرض" بين قريش واليمامة .. والأسود العنسي الذي جاهر بدعوته في اليمن قبل وفاة النبي الكريم .. وطليحة بن خويلد الذي ظهر في بني أسد .. وسجاح بنت الحارث التميمي شاعرة بني تغلب الفاتنة ... أما في العهد الأموي والعباسي فقد تفاقم الوضع لدرجة سئم الخلفاء من كثرتهم فأمروا عمالهم ورجال الشرطة لديهم بقتلهم "بلا محاكمة" ( وقليل من نجا منهم مثل رسول الشعراء أبو الطيب المتنبئ)!! ... باختصار.. مقابل كل نبي ورسول أُوحي إليه فعلا يوجد آلاف الكذابين والدجالين وأدعياء النبوة . وهذه المقابلة وحدها تثبت الشعبية التاريخية لهذه الظاهرة كون الُرسل الذين بعثهم الله كبيرا في الأصل (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا)، (وإِن من أمة إلا خلا فيهَا نذير).. بل لاحظ أن ظهورهم أمر توقعه وأخبر عنه خاتم الأنبياء قبل وفاته حيث قال في حديث صحيح: لا تقوم الساعة حتى ينبعث دجالون كذابون قريبا من الثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله ..(رواة مسلم) !