لأول مرة تتخذ هيئة سوق المال إجراءً شجاعاً تجاه ستة مخالفين بتغريمهم مائتين وثمانية وسبعين مليون ريال، وهي الخطوة التي انتظرناها طويلاً في حماية حقوق المواطنين ممن غرقوا في السوق وذهبت أموالهم ضحية المتلاعبين والمضاربين، وطالما المتسبب موجود والقضية مطروحة، وشهود الحال يمكنهم الإدلاء بشهاداتهم، يبقى الإجراء الحازم هو الحلقة المفقودة، التي لن تُربط بالأخريات ما لم تصل الشفافية، والمحاسبة الحد الذي من أجله أنشئت الهيئة، لتكون أمينة على حقوق كل الأطراف.. مَن تم تغريمهم ليسوا وحدهم من سرق النوم من عيون الخاسرين والمفلسين، ولكننا أمام طابور طويل ممن لم تصلهم التهم، وشجاعة الهيئة تجعلها محامي العدل أمام طرفيْ العلاقة، لكن أن يُستثنى من لا زال خارج المساءلة، مهما كان حجم عمله أو وظيفته، فإننا في هذه الأحوال نبقى انتقائيين، لا شموليين، فالحقوق لا تتجزأ، أو تضيع بالتقادم والإهمال.. فكشف التلاعب في وقته، وإشهار الأسماء كرادع للفساد باستغلال الثغرات في الأنظمة، أو عقد التحالفات السرية بين المضاربين، يفترضان أن يكون النظام مع الهيئة، وأن الجرأة باتخاذ القرارات العادلة، سوف يميزها عن غيرها، ويفرض هيبتها في السوق، وهو عمل منطقيّ لا تسلطي ولا بوليسي حين فقد معظم المساهمين مدخراتهم، وسُلفهم تحت ذريعة المغريات التي تحولت إلى مصائد للفقراء والمعوزين ممن أغراهم الصعود المفاجئ للسوق كله.. هناك من يقول، ما فائدة المحاسبة بأثر رجعي إذا كانت لا تعوّض من تضرروا في السابق، ولماذا لم تحسم الإجراءات بوقتها، ومع ذلك فالجزاءات ولو جاءت متأخرة، هل تستطيع تعديل مسار السوق وتفرض هيبة العاملين بالهيئة؟ الذين ذهبوا ضحية الماضي، البعض تعلّم من الدرس، والبعض الآخر ندم على ذهاب ماله الذي لا يعوض، وثالث صار بين بين، لا يستطيع الخروج من السوق، ولا يدري متى تأتي الفرصة بالتعويض، ولو بنصف رأسماله، وقد تستغرق وقتاً طويلاً، لكن الجميع في حالة ندب دائم لحظوظهم السيئة.. نحن بلد يريد استقطاب الأموال الوطنية المهاجرة، والانفتاح على المستثمرين العالميين، لكن ما حدث في السوق من تلاعب، قد يكون أحد العوائق بالتراجع عن الدخول في تيه وسراب واقعٍ غير واضح المعالم، وخسارتنا هنا جاءت نتيجة عدم الوضوح، أو كشف الحقائق، وهنا لابد من وضع معايير يقاس بها نجاح الهيئة والمساهمين، حتى لا ندخل معميات الفصل بمن هو على حق وباطل، حتى لو تلاعب وذهب فائزاً بالغنيمة الكبرى.. سوقنا هو الأكبر بين كل الأسواق العربية، واقتصادنا في المركز الأول بالمنطقة كلها وحصاد أعمالنا على جبهات التنمية البشرية والمادية، والتطلع إلى تفاعل بين الرأسمال والمواطن وحصول الأخير على مكاسب من خلال الفرص المتاحة، تجعلنا نتطلع إلى عمليات متناغمة بين كل الوزارات والدوائر التي تملك التشريع والتنفيذ، لأن ما حدث في سوق الأسهم، يذكرنا بلعبة المساهمات بالأراضي التي جرّت معها خسائر كبيرة نتيجة الثغرات التي لم تسدها أو تراقبها الدوائر الحكومية، ونحن الآن في حال من يصفق طويلاً لهيئة سوق المال، بشرط أن يلحق هذا العمل ما يوازيه من خروقات وجزاءات صارمة على كل المتلاعبين..