قد يحلو لنا استعراض صفات قادتنا وأمرائنا في مجالسنا وندواتنا. فنحن شعب يعتز بقادته والاعتزاز نابع من الشخصية الوطنية المتأصلة في نفوسنا. وبعد صدور الأمر الملكي الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء إضافة إلى عمله وزيراً للداخلية كان الحديث مستفيضاً عن صفات سموه وما حققه من نجاح طيلة عمله في قمة الهرم الأمني في المملكة العربية السعودية. حيث نجح في تطويق الأعمال الإرهابية التي استهدفت البلاد والتي عانت منها دول أخرى وما زالت. فقد عالج الأزمة برؤية عميقة وبنظرة ثاقبة ورقي فكري متميز. فلم يبطش ولم يظلم ومنع استخدام الأساليب البوليسية والطرق التقليدية التي كانت وما زالت تستخدم حتى في دول غربية تنادي بحقوق الإنسان وتطبق منهج الديمقراطية الغربية. انفرد الأمير نايف بإسلوبه المبتكر في معالجة الأزمة بنجاح منقطع النظير فاجتث الإرهاب من جذوره وعالج المغرر بهم إصلاحياً فعادوا مواطنين صالحين وإن شذ منهم قلة فالعبرة بالجماعة لا بالأفراد. حتى إن دولاً غربية لم تكتف بالإشادة بدور المملكة المميز في مكافحة الإرهاب، بل جاءت إلى المملكة وفود من العلماء ومراكز البحوث الأمنية العالمية للاستفادة من نهج المملكة ومحاولة تطبيقها في دول عانت كثيراً من موجات متتالية من ظاهرة الإرهاب. وهناك صفات أخرى لا تتوفر إلا في العظماء، ألا وهي العمق المعرفي. فهو يقيس الأمور بمقاييس الخبير المتمكن ويأخذ عبر التاريخ بالحسبان ويزنها بميزان أساسه العدل أولاً ثم ما يترتب على القرار من تداعيات مع قدرته العجيبة على معالجة القضايا برؤية سليمة مما يمنح قراره قدرة فائقة على التصويب وتحقيق الهدف المنشود. عاشت المملكة في عهده في أمن ورخاء وطمأنينة، فقد حارب قوى الشر والظلام فكان ثقله ترجيحاً لكفة ميزان العدالة لشعب هب وراء قادته صفوفاً متراصة ملبية الدعوة لمقاومة البغي والضلال. سياسي بارع رسم الخطوط العريضة بإدارة مبتكرة لوزارة تمور بالقضايا الأمنية والإجتماعية والمشكلات القبلية بما تحتويه من تعصب ونزوع إلى الهراش والتصادم بسبب مورد ماء أو قطعة أرض مجدبة (ممحله) لا ماء فيها ولا كلأ. فتح الباب على مصراعيه للمتظلم فأنصفه ورفع عن كاهله تعسف مسؤول أو ظلم ذوي النفوذ. له بصمة واضحة في حلحلة المشاكل الحدودية دون لغط أو تطبيل وخاصة مع حدود المملكة الشمالية والجنوبية. كما كان له الفضل في رسم معالم اتفاقية الحدود مع اليمن الشقيق التي ولدت بعد مخاض عسير. شديد العقاب لا تأخذه لومة لائم في محاربة الجريمة التي بدأت ظهورها مع استقدام العمالة الأجنبية التي لوثت بلادنا الطاهرة بوحشيتها وسلوكها الشائن الذي يتنافى مع قيمنا وتقاليدنا وتلفظه بيئتنا وموروثاتنا. وكم من شيخ حفرت السنون على وجهه أخاديد الألم وعاش في مرارة الشقاء والحرمان، جاء إلى سموه مستصرخاً مستجيراً بعد أن سدت الدنيا في وجهه سبل الحياة فأجاره ومنحه العطاء والطمأنينة وكأن شاعر الخليفة الأموي يطوي مئات السنين ليقف عند باب سمو الأمير ليقول: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت طالبه وقد رأيت بأم عيني شيخاً هرماً أغرورقت عيناه بالدمع بعد أن لبى سموه مطلبه مع يقيني أن هذا الشيخ الذي يتسم بالصبر والجلد لم يعرف عنه يوماً البكاء أو الشكوى إلا خشوعاً لله تعالى. إن الحديث عن سيرة الأمير نايف بن عبدالعزيز يملأ المجلدات. فهي غنية بالفخر والعطاء ومكارمه لا تعد ولا تحصى. سيرته عطرة تسري بأريجها الركبان لا تختفي بتوالي السنين والأيام، بل تزداد تألقاً وسمواً. فهنيئاً لشعب هذا الرجل من قادته وهنيئاً لأمة أخرجت من رحمها العظماء.