..وفي عالم الموسيقى والغناء يميزهما أن إحداث الأثر هو من يستثير الشعور بمختلف حالاته، وليس على ما هي عليه ميزة الآداب والفنون الأخرى التي تنعكس للكلمة وآدابها والتراث الثقافي وتقاليدهما، وهذا ما سهَّل من عملية التواصل والتفاعل مع فنون الموسيقى والغناء عبر البحار والأجواء. ..إن الذي أطلقت شعلة التفاعل الثقافي المتوسطية أغنية FAR AWAY الصادرة في مجموعة HAPPY TO BE عام 1976 للمغني اليوناني ديميس روسوس الذي يملك صوتاً مستعاراً متمكناً من طرق الأداء التقليدية اليونانية في مزاجها الأرثوذوكسي وروحها المتوسطية المشتركة في جنوبها عربياً ثم أعقب ذلك انطلقت فرق أوروبية تستثمر موسيقى أوروبا ومرجعياتها المختلفة بين التنافر والتجاذب بلغة انجليزية خارج إطار موسيقى الروك والبوب في روحيتهما الأوروبية الشمالية مثل فرقة BEATELS وROLLING STONESوسواها وإنما مثلما فعلت الفرقة الأسترالية-البريطانية BEE GEES (مؤسسها ومديرها باري جيب1958-2003) حين أطلقت أغنيتها STAIN' ALIVE عام 1977 واحدة من أغاني فيلم "حمى ليلة السبت SATURDAY NIGHT FEVER" المعتمدة على مقام الكرد في موسيقاها ولحنها ذي الروحية الهندية في تركيب الجمل الترددية من قصرها وتتابعها ثم أطلقت ذات السنة الفرقة الألمانية BONEY M (مؤسسها ومديرها فرانك فاريان1975-1986) أغنية MA BAKER المستمد لحنها من الغناء التونسي الصوفي "سيدي منصور". وفي عام 1978 قدمت الفرقة أغنية مكونة من لحنين الأول صربي والآخر عبري-سفارادي (اشتهر في سالونيكا وتركيا وهو ذو أصل سفاردي/ عبري-أندلسي) لحن أغنيتها RASPUTIN، وأكملت الدرب الفرقة السويدية ال ABBA (مؤسسها ومديرها بيني أندرسون 1972-1982)، فأطلقت أغنية VOULES-VOUS ذات المرجعية الهندية في مقطعها المتكرر(AHH). ..وتبعت هذه الفرق فرق أخرى تأثرت بهذه الألوان الغنائية المستمدة من شمال أفريقيا أو المنطقة العربية أو الهند مثل الفرقة الكاريبية GOOMBAY DANCE BAND التي أصدرت أغنية MARRAKESH عام 1980 مستوحاة من التراث المغربي، والفرقة البريطانية JESUS LOVES YOU (مؤسسها ومديرها بوي جورج) التي تخصصت في الرقص الألكتروني وموسيقى الهند في أغنية BOW DOWEN عام 1991، والفرقة الهولندية DOLLY DOTS (مؤسستها ومديرتها أنجيلا غروثزين) التي وضعت أغنية LEILA (أو ملكة سبأ)عام 1981 استعير لحنها الأساسي من لحن عبري بينما وظَّفْنَ للكورال خطاً لحنياً مستلاً من لازمة المقطع الثاني للحن أغنية "بعاد1975" للملحن يوسف المهنا ما أشهرها في مصر وتركيا وسواها. ..ولا ننسى لاحقاً أثر ألحان أغنيات متوسطية لكل من اليوناني ديميس روسوس الذي تمدد نحو موسيقى العالم والفلكلور، والإسباني خوليو إيغليسياس خرج إلى البوب وفلكلوريات أمريكا الجنوبية، اللذين يغنيان بأكثر من لغة غير الأصلية لهما، فانطلقا بلغات أخرى كالفرنسية والإيطالية والألمانية وسواها لم تسلم الأذن العربية من التأثر بهما. ..كما لا يمكن غفلة الفضاء الفرنكوفوني الذي لعب دوراً موازياً برغم هامشيته ومحدوديته حيث نرى استعادة غناء لأعمال فرنسية شهيرة لكل من إيف مونتان (1921-1991) وإديث بياف (1915-1963) وداليدا (1933-1987)، غير أنه وجدت مسارات أخرى تتجاوز تلك الأرشيفية الفرنكوفونية في تأثر المغني والملحن خالد الهبر بموسيقى الريف الغربي الأمريكي، وتلوين مشروع زياد الرحباني الموسيقي بألوان موسيقى السود (الجاز)، وأمريكا اللاتينية (البرازيل). ..إلا أن الطقس البيزنطي للكنيسة الأرثوذوكسية لعب دوراً في وضع جسور موسيقية مشتركة لكونه يعتمد على السلالم الأربعة: العجم والنهوند والبياتي والسيكا، ولا يستغرب أن مقام الحجاز يتوافر في الفضاء الثقافي للغناء اللاتيني في إسبانيا والبرتغال، وهذا ظاهر في أغنيات خوليو إيغليسياس كذلك المغني الفرنسي أنريكو ماسياس (جزائري يهودي) والمغني شارل أزنافور (أرمني يهودي). ..وندرك أنه خلال هذه الفترة انعكست على الأغنية الإيرانية مزاج البوب خاصة، في قالب الأغنية ومواضيعها عند كل من المغنية غوغوش (فائقة آتشين، تركية الأصل) والمغني داريوش (أذربيجاني الأصل) حيث قدما حفلات عدة للجالية الإيرانية في البحرين والإمارات العربية المتحدة منذ سني انطلاقهما أوائل السبعينيات ولا زالا مستمرين.. *مقاطع تنشر على حلقات من دراسة مطولة عن تفاعل الآخر في ثقافة الخليج.