يرفض كثير من الأزواج والزوجات الاقتران بآخرين بعد وفاة شريك حياتهم، حيث يعيشون باقي حياتهم على ذكرى الراحلين ملتزمين بقيم الوفاء والعشرة التي جمعتهم لأعوام طويلة في حياتهم. ورغم أن بعض هؤلاء- وخاصة السيدات- يكون في ريعان شبابه، إلا أنهن يرفضن الزواج مرة أخرى وبخاصة إذا كان الراحل قد ترك لهن أطفالا فتتفرغ الواحدة منهن لأبنائها وتمنحهم الرعاية والحب والحنان بقدر ما تستطيع تعويضا عن غياب الأب، إذا كان هذا السلوك مبررا لدى السيدات اللاتي يرفضن تكرار الزواج، إلا أنه بحسب مجتمعاتنا الشرقية يعتبر غير مألوف عند بعض الرجال الذين لا يستطيعون تدبير أمورهم الشخصية والحياتية بعد وفاة زوجاتهم فيلجؤون بشكل سريع إلى الزواج بغيرها من أجل صيانة الأسرة والحفاظ على استمرارية الحياة، حتى إن كان متقدما في العمر. أبو أحمد، 56 عاما، يعيش على الذكريات الجميلة التي قضاها مع زوجته قبل وفاتها منذ عشرة أعوام: «وفاتها تركت في نفسي وحياتي فراغا كبيرا إلا أنني حتى الآن ما زلت أتذكر فنجان القهوة الصباحي الذي كانت تعده لي قبل أن أذهب إلى عملي، وكذلك تفاصيل أيام الإجازات والعطل التي كنت أقضيها معها ومع أولادنا سواء في المنزل أو خارجه». ويؤكد أبو أحمد أن: «وفاءه لزوجته المتوفاة لن يتغير حتى آخر يوم في حياته؛ فهو لا يزال حتى الآن يشتم رائحتها في أركان المنزل، ويرى خيالها وكأنها حاضرة»، وذكر أن أولاده الثلاثة بعد وفاة والدتهم اقترحوا عليه أن يتزوج ويعيش حياته بشكل طبيعي حتى يجد ونيسا ورفيقا لحياته، ورشحوا له أكثر من امرأة من داخل وخارج العائلة لكي يتزوجها، إلا أن الفكرة بالنسبة إليه كانت غير مقبولة على الإطلاق وقد أخبرهم برفضه التام للفكرة من أساسها، كونه ببساطة لا يتخيل امرأة أخرى تعيش في نفس المنزل التي كانت تعيش فيه زوجته قبل وفاتها. وتحدثت أنعام، 46 عاما، عن مدى وفائها وإخلاصها لزوجها الذي توفي بحادث سير قبل ثلاثة أعوام، وترك فراغا كبيرا في حياتها وحياة أسرتها التي فجعت بخبر وفاته صباح أحد الأيام التي كان يستعد خلالها لاصطحابهم في رحلة إلى البحر لقضاء الإجازة هناك، إلا أن مشيئة الله كانت فوق كل شيء، وأشارت إلى أنها لا تزال تشعر بوجوده معها في المنزل بل إنها تسمع صوته في بعض الأحيان وهو ينادي عليها وأحيانا يطلب منها أن تعد له فنجان القهوة المسائي الذي كانت ترتشفه معه كل يوم، وأكدت أن فكرة الزواج والارتباط بالنسبة إليها مرفوضة تماما، حيث إنها لا تستطيع أن تتخيل العيش مع رجل آخر غير زوجها الذي كان بالنسبة إليها كل حياتها. ولا تجد وداد. ب وسيلة أو طريقة لاسترجاع ذكرياتها مع زوجها الذي توفي قبل سبعة أعوام بمرض عضال إلا بالرجوع إلى ألبوم الصور الذي كان يضم مجموعة كبيرة من صورهما بعد زواجهما: «بعد زواجنا ازداد حبنا وارتباطنا ببعض خاصة بعد إنجاب ولدينا: علي وسيرين، وقد كانت حياتنا مليئة بالحب والحميمية، ولم أذكر في يوم أن دخل النكد أو الحزن أو الشجار إلى بيتنا، فقد كان زوجي يتحلى بأخلاق رفيعة، وأبا رؤوما ويستطيع حل المشكلات بشكل دبلوماسي قبل أن تتفاقم، كما كان رحمه الله قبل مرضه محبا لأهلي، وكان يحرص على أن يحثني على برهما والتواصل معهما خاصة والدي، وبعد مرضه ووفاته ترك فراغا كبيرا في بيتنا وأنفسنا فلم نعد حتى الآن نشعر بطعم الحياة والفرحة دونه، وبالرغم من أنه لا يغيب عن بالي لحظة واحدة إلا أنني دائما أضع صوره في كل ركن من أركان البيت وأناجيها وأتخيلها تسمعني في المطبخ»، وحول فكرة ارتباطها بغيره أشارت إلى أن: «عقلها لا يستطيع أن يصدق أن يتآلف مع رجل آخر، رغم إلحاح أهلها وأقاربها عليها بالزواج، باعتبار أن ذلك جزء من سنة الحياة».