تغيير الميول مؤشر على رقي الفرد والمجتمع: في بداية الاحتراف الذي كسر القيود عن أقدام اللاعبين كان انتقال لاعب إلى آخر، وبالذات المنافس قنبلة تنفجر فتحرق الملعب وتحرك المدرج. كان انتقال لاعبين كفهد الغشيان من الهلال إلى النصر وخالد مسعد من الأهلي إلى الاتحاد وعبدالرحمن الدبيبي من التعاون إلى الرائد ويوسف العليقي من الرائد إلى التعاون مشكلة رمت باللاعبين إلى حقل التعنيف، واعتبرها الجمهور حركة خيانة، فكيف يتجرد لاعب من ميوله من أجل المادة؟! لم يدم الأمر طويلا فقد انفرطت السبحة فيما بعد، فانفتح الباب على مصراعيه، وباتت الساحة تضج بسوق الانتقالات، وصار الأمر معتادا، فطلب الرزق يتطلب كسر الميول، وبات السؤال الذي يطرح نفسه: كم تدفع؟ عدوى الانتقال المادي للاعبين سرت في جسد المدرج بسبب طلب الرزق أيضا، لكن لدى فئة محدودة هي رابطة الجمهور، فالقائد وفرقته يبحث عن مصدر دخل يعينه على مصاريف الحياة، وليس منطقياً أن يدندن في المدرج مجاناً ليرفع من معنويات لاعبين يكسبون ملايين الريالات!! أيضا فإن هذا الأمر سرى على كتاب رياضيين غيروا ميوله (وربما زيفوها!) لينضموا إلى صحف معينة صحفيين فيها، أو تعمدوا التغيير رغبة فيها، فطالما أن الميول لم يكشف بعد فالفرصة سانحة، والأمر ذاته ينطبق على الإداريين كما انطبق على المدربين، لكن المشكلة تكمن في اللوم الحاد الذي سيقابلون به، والرفض من الجمهور على اعتبار أنه أمر شاذ! مع اتساع رقعة التشجيع، وتغير مسار البطولات، بات اقتران الجمهور طويلا بنادٍ ما أمراً يجب إعادة النظر فيه، فليس بين الاثنين عقد ملزم حتى الممات! وليس منطقيا أن تظل رقبة الشخص مرهونة لناد فقير في كل مناحي الحياة، البطولات هي الهدف، وطالما أن الهدف لم يتحقق فلماذا إحراق الأعصاب من أجل لاشيء؟! الآن نفتخر أننا قطعنا خطوات متقدمة في طرق الاحتراف، وصار دوري المحترفين السعودي في المرتبة السادسة عشرة عالميا من حيث الأفضلية، وهو ما يعني حتمية توسيع المدارك في كافة الأعضاء، ومن أهمهم الجمهور، فهو شريك رئيس في التطور الرياضي، بل هو أهم الأعضاء، ولن تقوم المسابقة إلا عليه، ولذا فإن استهدافه بنشر الوعي مطلب ملحّ، ومن الوعي أن يوسع هو أي الجمهور دائرة فكره ليعطي نفسه مساحات أكبر في التشجيع، ولو أن جمهورا بعينهم غيروا ميولهم ثم أعلنوا ذلك لبدأت هذه العمليات تتفشى بينهم، ولاعتاد هذا الأمر، ولزال اللوم، ولصرنا نرى الميول تتجه للإبداع، لا للألوان. إن تبديل الميول في الواقع ظاهرة ثقافية صحية، فهو يعني مرونة الشخص واستعداده لتغيير رأيه متى ما وجده خاطئا، هو في الواقع عمل فكري يدل على رقي الفرد والمجموعة، كما أنه كفيل بتخفيف حدة التعصب.