وجه آخر لكارثة سيول جدة.. أنصع بياضاً وأرق حضوراً وأكثر تفاعلاً.. مجموعة وجوه أنثوية ضخت الحياة في البيوت الغارقة وفوق الأراضي المبللة بدموع الأمهات وصرخات الأطفال وتساؤلات الناس الخائفة مما تخبئه الغيمات الآتية من بعيد.. وجه المتطوعات كان أجمل ما أطل على سماء جدة.. ليعلن ميلاد العطاء بلغة توحدت أبجديتها في حروف أسمائهم الصغيرة.. المتطوعات بمختلف أعمارهن حلقن كفراشات ملونة في فضاء الأحياء المتضررة.. مشين فوق مياه الأمطار العميقة.. طرقن الأبواب برفق ليقدمن المعونات العاجلة للأفواه الجائعة.. في لحظات تعانقت أياديهن.. وتوحدت أهدافهن.. وأنصهرن في بوتقة واحدة؛ من أجل إغاثة مجموعة مشاعر انتفضت خوفا ورعباً داخل أجساد نحيلة متعبة هزمها رعب وضجيج السيل الجارف.. أصغر متطوعة الطفلة عهود العتيبي 13 عاماً في الصف السادس الابتدائي.. أصغر المتطوعات سناً كانت تتحرك بهدوء بين مجموعة سلال غذائية مرصوصة على الأرض تراقب ترتيبها بنظرات عينيها الطفولية وتنحني أحيانا لتتأكد من عدد المعلبات في كل سلة، ثم تسجل محتوياتها من الخارج وتغلقها بشريط شفاف لاصق.. تقول عهود.. شجعتني والدتي على العمل التطوعي من أجل إغاثة أطفال صغار في مثل عمري، مشيرة إلى أنها تشعر بسعادة غامرة لتشجيع الجميع لها على العمل الذي تمر ساعاته الستة سريعاً دون أن تشعر بها لتنتظر اليوم التالي لتبدأ رحلة عمل جديدة في فرز الملابس حسب النوع والعمر.. وتتمنى عهود أن يصبح للعمل التطوعي منهج دراسي في كل المدارس حتى تتعرف الطالبات على مجالات العمل التطوعية المتاحة لممارستها بحرفية ومهارة عالية. متطوعات في أرض المعارض يقدمن الدعم للمحتاجين مساعدة الناس وتشاركها الحوار الطفلة تولين مخدوم في المرحلة المتوسطة بمدارس الحمراء الأهلية؛ والتي وصفت العمل التطوعي بالمذهل لأنه منحها فرصة كسب الأجر من الله أولاً، ثم الوقوف والمساندة بجانب أبناء الأسر المتضررة. وقالت كنت أعود من المدرسة وأنجز واجباتي المدرسية سريعاً وأذهب إلى أرض المعارض لمساعدة أخواتي في العمل في إغلاق السلال الغذائية بعد تعبئتها ببعض المأكولات والمشروبات التي تحتاجها الأسر في مثل هذه الأوقات الصعبة. أما المتطوعة الشابة سمر الساسي 24 عاماً مشرفة أنظمة ذكية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة فقد بدأت العمل التطوعي من خلال مشاركات بسيطة في بعض الأعمال التطوعية خلال شهر رمضان ومناسبات الأعياد. تقول سمر أثبتت كارثة جدة أن العمل التطوعي بحاجة لمظلة تنظم أداءه ويكون بمثابة همزة وصل فيما بين المتطوعين في حال حدوث طارئ لا قدر الله، مشيرة إلى أن تجربة العمل التطوعي التي عاشها شباب وشابات جدة لفتت الأنظار من حيث التكاتف والإقبال على الانخراط في كل عمل تطوعي مهما صغر في حجمه فالنتيجة النهائية أن نساند أسرنا وقت الأزمة. وأشارت سمر إلى بعض نقاط الضعف التي رافقت العمل التطوعي ومنها تعدد الآراء والملاحظات في تحديد أعمار المتطوعين وتقنين عمليات الدخول إلى صالة استقبال التبرعات، مما ساهم في تفويت فرصة المشاركة على الكثير من الراغبين في المساعدة خاصة أن بعضهم كان لديهم استعداد بالمشاركة من خلال بضع ساعات من وقتهم. آلاء سندي عمل فوق الشبهات وبحماس يعانق السماء تحدثت المتطوعة روان عدس 22 عاماً من كلية ابن سيناء الأهلية، وقال:إن العمل التطوعي في كل مراحله رائع لأنه عمل إنساني يختصر المسافة بين المحتاجين الضعفاء وبين القادرين فتذوب الفروقات الاجتماعية فيما بينهم. وقالت روان بدأت العمل كمتطوعة مع الأطفال الأيتام ومعي مجموعة من الصديقات وكنا نشعر براحة نفسية كبيرة بمجرد أن ترتسم الابتسامة على شفاههم. وحول مشاركتها في إغاثة الأسر المتضررة ذكرت روان المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام كانت سببا رئيسياً لأن يتحمل الشباب مسؤولية جمع المعونات وتوزيعها على الأحياء المتضررة لنرد شيئاً من الجميل لمدينة جدة وسكانها، واصفة عملها التطوعي الميداني أنه واجب ديني وإنساني. واستغربت روان من بعض الأقاويل التي وصفت عمل المتطوعين في أرض المعارض بالمخالف، ووصفه بالاختلاط ومحاولة البعض منع العمل التطوعي الجماعي بحجة الاختلاط، معتبرة أن عمل المتطوعين فوق الشبهات.. وأضافت من الطبيعي أن ترافق التجربة الأولى للعمل التطوعي بعض الصعوبات فالكارثة غير متوقعة مما دفع كل مجموعة تطوعية لأن تعمل منفردة محاولة منها لكسب الوقت فالأعداد التطوعية كانت تزداد يوما بعد يوم وربما ساهم ذلك في حدوث بعض الإرتباك، مطالبة بضرورة وجود جهة تنظميه للأعمال التطوعية حتى يحظى المتطوعون بمصداقية الهيئات والجمعيات التي تدعم مشاريعهم التطوعية. روان عدس وجوه الفقراء تبتسم أما المتطوعة عبير فلمبان 23 عاماً الطالبة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة عملت داخل أرض المعارض في قسم التغذية بواقع ثماني ساعات في اليوم لتوزيع المؤونة الغذائية على الصناديق المخصصة لذلك. وقالت منذ طفولتي وأنا أحب رسم الابتسامة على وجوه الفقراء ومن خلال تواجدي في صالة المعارض تعرفت على تجارب متطوعات ساهمت على نضوج تجربتي التطوعية، مما جعلني أعتذر عن كل المناسبات العائلية في سبيل أن أساهم مع رفيقاتي في إنجاز أكبر عدد ممكن من الأعمال التطوعية والتي برهنت على تلاحم المجتمع. دارين مخدوم واعتبرت وجود جمعية تعنى بالمتطوعين ضرورة ملحة خاصة في ظل وجود رؤى لمختصين يشرفون على برامجها في العمل التطوعي ويلتحق بها كل من يرغب ومن مختلف مناطق المملكة. وطالبت مشرفة التخطيط والتطوير بمدرسة نور القرآن زينة السقاف 40 عاماً بإنشاء هيئة عليا للأعمال التطوعية من أجل تنظيم كل الأعمال التي تندرج في ذات الإطار وانضمام كل الفرق التطوعية لها حتى يصبح العمل مهيئا بشكل جيد لمعالجة الحالات الطارئة في أي وقت. ماذا نحتاج؟ وذكرت المتطوعة بيان الميمني 22 عاماً من جامعة الملك عبدالعزيز بأن الأعمال التطوعية تلاقي إقبالاً من جانب الشباب والشابات وهذا يتطلب وجود عدة جمعيات تطوعية تستوعب الأعداد الكبيرة من المتطوعين والتي تتنوع أعمالهم، إضافة لمساعدة الشباب على تعلم فنون التعامل التطوعي مع مختلف الأزمات الطبيعية. سمر الساسي وشاركت المتطوعة دلال طاشكندي 22 عاماً بقسم المحاسبة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في عدة أعمال تطوعية من خلال قروب تطوعي ساهم في تنظيف الحمامات بالمساجد وتوزيع الهدايا على عمال النظافة ودور الأيتام وخلال كارثة جدة كانت دلال تعمل بمركز جدة الدولي للمعارض في تجهيز السلال الغذائية بواقع ثماني ساعات في اليوم. تقول دلال إن الأعمال التطوعية بحاجة لأن يعمل تحت مظلة لديها برامج لدعم وتأهيل منسوبيها المتطوعين، إضافة لابتكار البرامج التي ترفع كفاءة المتطوعين والسبب، كما أوضحته دلال بأن جميع الجهات التي من الممكن أن تدعم العمل التطوعي بالتبرعات تتساءل دائما عن الجهة التي نتبعها. دلال طاشكندي وتقول المتطوعة ختام العامودي 23 عاماً خريجة جامعة الملك عبدالعزيز -إدارة واقتصاد- بأنها وبمعاونة صديقاتها تقوم بتنفيذ ثلاثة مشاريع في السنة عبارة عن مؤونه رمضان وعيدية الأيتام وعمال النظافة وتوزيع الحقيبة المدرسية للأطفال في الأحياء الفقيرة. تقول ختام أجد تعاوناً من بعض الجمعيات النسائية مثل جمعية الشقائق النسائية، وبالتالي لا أجد حاجة لوجود هيئة تعنى بالأعمال التطوعية نظرا لوجود الثقة المتبادلة بين الجمعيات و(القروبات) التطوعية، مشيرة إلى ان الهيئة التطوعية ربما تخفف من وطأة الأعباء المالية التي قد تعطل بعض الأعمال التي تحتاج دعماً مادياً لتنفيذها. وركزت المتطوعة دارين مخدوم 16 عاماً من مدارس الحمراء الأهلية بالقسم الثانوي العلمي على بعض الصعوبات التي تواجه العمل التطوعي والمتمثلة في عدم التزام بعض المتطوعين بالعمل التطوعي، مما قد يؤثر على تأخير المعونات على الأسر المتضررة، مقترحة أن تكون هناك مظلة عليا للعمل التطوعي تعالج القصور في حال حدوثه. وأشادت المتطوعة آلاء سندي بصدى العمل التطوعي على المحتاجين وعلى المتطوعين وخير دليل على ذلك تلك الصور التي دللت على تلاحم الجميع ومن كل مناطق المملكة لمساندة الأسر المتضررة، مؤكدة على ضرورة وجود هيئة تعنى بشؤون المتطوعين وتدعم برامجهم الشبابية التطوعية والذي سيساعدنا على كسب ثقة المتبرعين من أجل توصيل تبرعاتهم إلى فئة كبيرة من المحتاجين. عهود العتيبي