كل إذاعات الFM التي نسمعها حين نسافر تركِّز على الشؤون المحلية، ولكثير من الدول في كل مدينة حتى ولو كانت صغيرة أكثر من إذاعة قصيرة البث في حدود المدينة، تهتم بمجتمع المدينة، وتقدم التوعية اليومية، ومتابعة أخبار المجتمع المحلي من ثقافة إلى رياضة واقتصاد، وتسهم في التوعية المرورية وإرشاد السائرين إلى الطرق الأخف ازدحاماً في ساعات الذروة، مع فواصل خفيفة من الأغاني والترفيه، وبعد منتصف الليل تقدم أدعية وأذكاراً وبرامج طيبة، وقد تقدم موسيقى كلاسيكية تهدئ الأعصاب وتساعد على النوم، حسب ثقافة المجتمع المحلي ومتطلباته.. إلا لدينا - حتى الآن - فلا يوجد سوى محطتين فهي سيل من الأغاني المتواصلة فيتخلله دلع المذيعات وحوارات تافهة ومسابقات سطحية وإعلانات ووسائل لكسب المال عن طريق اتصال المستمعين.. وبما أن وزارة الإعلام فتحت الباب المغلق طويلاً، وسمحت بوجود عدد من المحطات الإذاعية المحلية، فإننا نأمل أن تتوجه هذه المحطات نحو مجتمعنا، وأن تتحدث بلغته ونكهته وتناقش قضاياه ومشكلاته وتهتم بتوعية المتابعين في كل الشؤون من اقتصاد إلى مرور وطب ووسائل سلامة بالتعاون مع الجهات المختصة كوزارة الصحة والدفاع المدني والإدارة العامة للمرور.. كما نود أن تكون تلك المحطات الجديدة بمثابة (مفكرة) يومية للمتابعين تذكرهم بما سيقام هذا اليوم من محاضرات وندوات ومعارض تجارية وفعاليات الثقافة ونحو ذلك.. مع وجود فواصل من الأغاني الخفيفة المنعشة وغير المبتذلة.. بالإضافة إلى توظيف السعوديين في هذه الإذاعات الموجهة لهم خصوصاً، والكفاءات الإعلامية لدينا وافرة جداً، وخريجو أقسام الإعلام من جامعاتنا بالألوف.. إن الإذاعة عامة، والمحلية منها خاصة، تختلف عن الصحافة.. الإذاعة تحب الكلمة الواضحة السهلة المموسقة مع وضوح صوت المذيع وسلامة لغته وسلاسة الموضوع، فعبر الأثير تطير الكلمات فلا مجال للإعادة ولا وقت للتفكير العميق.. لقد كان لي شرف التعاون مع إذاعتي الرياضوجدة أكثر من ربع قرن في إعداد برامج يومية مختلفة، ومن هذه التجربة عرفت أن إعداد برنامج إذاعي أصعب من كتابة مقال صحفي، فالأول يجب أن يجري كالماء الرقراق واضحاً شاداً سهلاً مفهوماً يخاطب الوجدان والعقل معاً و(يلقطه المستمع على الطائر) فلا مجال أمام المستمع لاستعادة ما ذهل عنه، والجمع بين السلاسة والإثارة صعب، أما المقال الصحفي فأمام القارئ مجال للتمعن وإعادة القراءة.. تشكر وزارة الثقافة والإعلام على فتح باب التراخيص للإذاعات المحلية ولكننا نطالب بالمزيد منها فهي نوافذ للمجتمع المحلي على الشمس، ومرايا تعكس له واقعه، وتساعده على تعديل وضعه، وتسهم في رفع الذوق العام..