وقفت"الرياض" في مركز إيواء المسارحة بجازان على قصص ومواقف مثيرة لمعوقين تجاوزوا آلامهم ومعاناتهم مع المرض بشعور الوحدة والتكاتف والتعاون مع جميع النازحين، يستظلون في كل ذلك بالخدمات الإنسانية والمعيشية المقدمة لهم من مؤسسات الحكومة المختلفة.. ومع أول خطواتنا بين الخيام بأحد مراكز الإيواء استوقفنا منظر فتاة في الخامسة عشرة من عمرها تقريباً وهي تغالب الإعاقة وتصر على قهرها لتنتقل من خيمة لأخرى متكئة على يديها وركبتيها كعكازات.. لن أنسى نظرة صالحة قيسي وهي تستنشق الهواء وبجوارها تقف والدتها المسنة فاطمة عواجي وكلنا أمل في أن نحظى بكلمة أو إجابة عن سؤال من فمها، لكن الإعاقة منعتها من الكلام والتعبير عن حجم المعاناة التي وصفتها الأم بعبارات أوجزتها بالقول: إنها صالحة فلذت كبدي، من يوم ولدتها وهي على هذا الحال مصابة بضمور جسمي وإعاقة في قدميها تمنعها عن الحركة سوى بالمشي على يديها الناعمتين التي جرحها الزحف وانهكها التعب، وكلها أمل في أن يأتي اليوم الذي تجد فيه من يعينيها على هذه الإعاقة "، كلام الأم استوقف ابنتها المعاقة كما استوقفنا، فراحت تنظر للأم وتتأمل في ملامح وجهي وأنا احدث أمها وكأنها ترى في وجهي بارقة أمل.. وبعد أن ودعنا الفتاة وأمها وقفنا على حالة أخرى لا تقل معاناة، الحالة كانت للطفلة ذات التسع سنوات هدى حجوري، التي تعاني من صعوبة في التنفس، إذ لا تلتقط أنفاسها الإ بصعوبة، وهدى مقعدة على كرسي متحرك أجبرتها الأنيميا حسب قولها على امتطائه والركون إليه، لتقاطعها هنا أمها فاطمة حكمي بالقول: "عرقلت الأنيميا طفولة ابنتي وكبلتها عن الحركة واللعب مع الأطفال، فغدوت احملها على يدي تارة وأقودها بكرسيها المتحرك تارة أخرى"، لتسابقها الدموع والتنهدات وهي تقول: "ذهبت بها إلى عدة مستشفيات، لكن حالتها على ماهي عليه دون تحسن رغم كل ما تلقته من علاج، ولم يبق لنا رجاء إلا في الله تعالى". وفي ختام الجولة بمركز الإيواء التقينا المسن محمد عويدي، الذي وجدناه على كرسيه الحديدي أمام خيمته يقلب ناظريه، مرة في السماء وأخرى في المارة دونما حراك، وقد ظهرت على وجهه تجاعيد ستين عاماً، وكأن عينه ولسانه هما من يملك حق الحركة في جسمه النحيل لتنوب عن بقية الأعضاء بكل عزيمة وقوة، ليشكف عن سر عجزه وعدم حركته وهو يخالط كل كلمة يقولها بذكر الله وشكره على فضله وحمده على ما أعطاه عندما بدأ يسرد تفاصيل قصته، حيث قال: "سبب مرضي وما وصلت إليه من حال أنني كنت أمشي في إحدى المرات بأحد شوارع القرية التي كنت اقيم فيها وأسرتي المكونة من عشرة اشخاص، فشعرت بوخزات في كامل جسمي فعجزت بعدها على الحركة وكانت بداية المرض"، وهنا توقف العم محمد عن الحديث لبرهة ثم عاود القول، هل تعلمين يابنتي من أملي في الحياة؟، إنها أسرتي هذه المرأة الفاضلة(زوجته) وخمسة أولاد وأربع بنات هم من يصبرني على ما أعانيه من هموم وغموم وقلة حيلة للقيام بتوفير احتياجاتهم"، عندها وجد نفسه عاجزاً عن مواصلة الحديث ووجدنا انفسنا مجبرين للتنازل عن الأسئلة، لتقوم زوجته مريم حلوي بمواصلة الحديث عنه قائلة: "نحمد الله تعالى على مانحن فيه، فعائلنا مقعد على السرير كما ترين ياابنتي، ونحن على هذه الحال منذ سبعة أشهر لم نترك خلالها مشفى إلا وراجعناه، وكل ما نظفر به من نتائج لتشخيص حالته هي نفس النتائج ونفس العبارة (سليم)، ولم يبق لنا من نتوجه إليه إلا الله تعالى ليكون عوناً لنا فيما نحن فيه، وأن يسخر لنا من يساعدنا في تخفيف معاناتنا وعلاج رب أسرتنا الذي عجز الأطباء عن معرفة حالته المرضية التي أوصلته لحالته التي هو عليها".