تغطي أنين المرضى والأطفال المعوقين وكبار السن المقعدين، أروقة خيام النازحين في أحد المسارحة، إنها قصص تحكي مأساة هؤلاء الذين أجبرتهم الظروف على النزوح وترك منازلهم، بعد أن انقلبت حياتهم بين ليلة وضحاها، فهم في واقع الحالي لا يفرقون بين الليل والنهار وتوقف عندهم الزمان لحظة مغادرتهم منازلهم وقراهم التي لا يعلمون موعد العودة إليها. إنها قصص مأساوية لحالات مرضية تغطي الخيام على أوجاعهم وصرخاتهم، إنهم أناس يبحثون عن الحياة الكريمة والعلاج، ومن يضمد جراحهم وإسكات أنينهم، وأن تمتد يد الرعاية لهم حتى يمارسوا حياتهم اليومية بكل راحة كغيرهم من سكان المخيمات الذين يمارسون وضعهم الطبيعي بكل راحة. «عكاظ» اخترقت حاجز الصمت الذي يخيم على حياتهم، لسبر أغوار مأساتهم ومعاناتهم اليومية المتجددة مع المرض، وكذلك لمعرفة مطالبهم التي يحلمون بتحقيقها على أرض الواقع. وكانت البداية مع حسن مهدي 79 عاما الذي يرقد أمام خيمته على سرير خشبي متهالك، لا يتحرك منه سوى عيناه، يرمق بها المارة بعد أن عجز عن مشاركة النزلاء في الحصول على حصته من المساعدات التي تقدمها بعض الشركات. وتروى ابنته معاناة والدها وتقول «قبل 5 أعوام أصيب والدي بمرض السكري والملاريا، وتدهور وضعه الصحي ليترك خلفه زوجة مسنة وخمس بنات ينتظرون المساعدات وشفقة المحسنين»، ويقاطع مهدي ابنته بقوله «أتمنى أن أجد الرعاية الطبية في المستشفيات واسترد عافيتي وأسهم في تربية فلذات كبدي». وتجلس مها محمد شراحيلي (9 أعوام) على كرسي متحرك أمام خيمتها تنظر إلى قريناتها وأبناء المخيم، وهم يلهون ويلعبون، والألم يعتصرها لعدم تمكنها من اللعب بعد أن أصيبت بشلل منذ الولادة جعلها غير قادرة على الحركة، دفعها لأن تتفوق دراسيا. وروى والدها معاناتها، وقال إنه راجع العديد من المستشفيات في منطقة جازان ولكن كانت النتيجة واحدة لا علاج لها إلا في مستشفيات متقدمة وهو ما يكلفني الكثير، ولا أستطيع القيام به خصوصا وأنني أعول أسرة كبيرة يصل عدد أفرادها إلى 13 فردا من البنين والبنات ما جعلني غير قادر على متابعة حالة أبنتي. وفي خيمة النازح علي ناصر يعيش الطفل أحمد (6 أعوام) وشقيقته عائشة (12عاماً) اللذين ولدا بإعاقة وغير قادرين على تحريك عنقيهما، ومع ذلك يعانيان من تشوهات خلقية منذ الولادة، وهذا المرض حرمهما من كل شيء حتى من اللعب مع أقرانهما داخل المخيم ما حول حياتهما إلى ألم يعتصرهما في كل يوم. الشاب إسماعيل أحمد بخيت تحولت حياته من الفرح إلى الأحزان بعد أن كان يعيش في صحة جيدة وجد نفسه أصيب بمرض تسبب في ملازمته للكرسي المتحرك، ويعيش إسماعيل ظروفا صعبة بعد وفاة والدته وعدم قدرة والده على توفير علاجه، حتى الكرسي المتحرك لا يتناسب مع وضع المخيم حيث يعجز عن الحركة في المكان الترابي. السيدة زهرة محمد يحيى وعيشة أحمد هزازي، قريبتان في الصلة الاجتماعية ومتجاورتان في الخيام تعيش إحداهما مقعدة عاجزة عن الحركة مع ارتفاع في وزنها وعدم قدرتها على الحركة، ما تسبب في إصابتها بأمراض متعددة عجزت عن الحصول على علاج لها رغم مراجعتها المستشفيات، زهرة وعيشة أصبحتا غير قادرتين على الحركة ومشاهدة ما يدور في المخيمات حيث يقضيان وقتهما بين أروقة الخيام ما زاد من حالتهن النفسية وأوضاعهن الصحية بسبب ذلك الحصار الدائم عليهما داخل الخيام من المرض، وتتمنى زهرة أن تستطيع السير والحركة بدلا من ملازمتها للفراش طوال الوقت بسبب المرض. أما مريم هزازي، فتعرضت لحادث مروري قبل عدة سنوات تسبب في شلل نصفي ألزمها الفراش، وتقول شقيقتها إنها تموت كل يوم وهي تشاهد زميلاتها يتجولن في المخيمات ويخرجن لقضاء الاحتياجات اللازمة، وهي غير قادرة على الحركة خصوصاً وأن الكرسي المتحرك يصعب السير به في هذه المنطقة الترابية. لا شيء يحزن النازحة صبيا عبدالله بعد المرض، سوى بناتها والخوف على مستقبلهن بعد إصابتها بالفشل الكلوي حيث تعاني من تضخم في الكبد، وبالرغم من مراجعاتها لمستشفيات جازان إلا أن حالتها في سوء حيث تعاني من التأخير في مراجعة مستشفيات جازان وترغب في علاجها في مستشفيات متقدمة لعلها تعود إلى وضعها الطبيعي لتستطيع رعاية أبنائها وبناتها. وتعاني الطفلة شهد مناشر، ذات الخمس سنوات من الشلل وعدم القدرة على الحديث منذ الولادة، وعجز والدها العثور لها على علاج يعيد إليها البسمة ويجعلها تعيش في سعادة.