هناك سؤال يطرحه كل مهتمّ بالشأن السياسي في المنطقة، لماذا إسرائيل دائماً تأتي في سقف اهتمامات أي رئيس أمريكي، حتى لو وضع بعض الجمرات في يد رئيس وزراء إسرائيل، فإن الثلج سيكون البديل، وهذا ظهر مع أيزنهاور الذي عاكسها في حرب 1956، أو الاعتداء الثلاثي على مصر، لكنه عاد ورسخ علاقتها بالدولة العظمى، كذلك بوش الأب عندما عقد حاجبيه تجاهها، تخلى عن قناعته بأنها جسر أمريكا إلى المنطقة وخارجها؟ كل العرب والعالم الإسلامي تفاءلوا بتصريحات باراك أوباما، حتى قيل إنه صانع السلام بعد تراكم غيوم اليأس على المنطقة، غير أنه اصطدم بقوة لم يضع حساباته معها، ولذلك جاء صمته على تهويد القدس والتمدد على الضفة الغربية، وحتى الحوار الفلسطيني - الإسرائيلي منقطع، إذ لم يستطع مندوبه تحريك أي شفة لمسؤول إسرائيلي كي يقبل حتى التباحث مع القيادة الفلسطينية إلا بالقبول بالأمر الواقع، ولعل صمت أمريكا ليس محيّراً إذا ماعرفنا أن أي رئيس جاء بالانتخاب يفاضل بين تصريحاته بهموم بلده أو إسرائيل، فتفوز الأخيرة بالدرجة الممتازة.. نحن لا ننفي أن لأمريكا مصالح وسياسات وإدارات ذات توجه ثابت ومنها عدم رؤية إسرائيل في موقف الصديق، أو الحليف المعاند، حتى إن ضربها لمدمرة التجسس الأمريكية في الحرب الإسرائيلية - العربية، وكذلك العديد من الجواسيس والمخالفات القانونية للاتفاقيات مع أمريكا، تؤخذ دائماً بالعفو التام للصديق الكريم والطيب.. لن تستطيع هذه السياسة الاستمرار إلى الأبد، حتى لو تضاعفت قوة إسرائيل وزادت أمريكا من انحيازها ومدها بالمعونات العسكرية والتقنية والمادية، لأن البحر المحيط بها تتنامى كراهيته وعداوته لها، وللتاريخ صور مشابهة حيث لا يمكن قهر الإنسان والمكان المتناميين على مساحة إسرائيل وسكانها، ثم - وهذا مهم جداً - أن موازين القوى تتغير، والمنطقة ليست في مواقع النسيان والإهمال، وبالتالي لن تتكرر مواقف القوى الصاعدة، لتكون نسخة مكررة من الغرب وأمريكا، إذا كانت روابط مصالحها كبيرة مع المنطقة، حتى بظروفها الراهنة، وهو ما سيجعل المفاضلة تأتي لصالح العرب، ليس لأنهم أصدقاء أو حلفاء، وإنما لأن موقعهم وثرواتهم وسوقهم، هي التي ترشحهم ليكونوا الرقم المميز في المعادلة.. المؤسف أن الرئيس أوباما، وهو الشاب والمثقف، والذي لا ينتمي لعقلية الحرب الباردة التي انغمس بها رؤساء أمريكا السابقون، يواجه مواقفه بتردد، وأحياناً بخوف مما ضاعف عليه النقد، ونزول أسهمه التي ظلت مع الشهور الأولى، فائقة الأرقام على كل من سبقوه.. نحن لا نطالب أوباما أن يكون حليفاً أو نصيراً للعرب، بل أن يأخذ بمنظار مصالح بلده، ويسمع حتى من اليهود الذين يرون في قادة إسرائيل خطراً عليها ويتعامل بمنطق مغايرٍ للروح السائدة مع كل صانعي القرار في أمريكا في مبايعة إسرائيل حتى لو كانت على خطأ، ولذلك لا يمكن أن تتغير ظروف المنطقة بقمع التطرف وتنامي العداء، إلا بتوازن المصالح والتي أُهملت في تاريخ كل رؤساء أمريكا، وأوروبا معاً..