ما إن هلت بشائر عيد الأضحى المبارك، حتى أُعلن في الرياض، عاصمة الوطن، وركنه المكين، أن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، سوف يعود إلى عرينه، ويأوي إلى رياضه السعيد. وعلى جناح السرعة ازدانت مدينة الرياض، شوارعها العامة، وميادينها الكبيرة، ومبانيها الشاهقة، كلها تزينت بأبهى أثوابها، واكتست بأجمل حللها، وازدهت بصور الأمير سلطان إلى جانب صور أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله وأدامه -، وإلى جانبها صور أخيهما الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، وترفرف في سماء الرياض الرايات الخضراء مطرزة بكلمة التوحيد، وأضاءت الفرحة فضاءها. لم تكن الرياض وحدها من غمرها الفرح والسرور، بل لقد امتدا على مساحة الوطن كله، من البحر إلى الخليج، وملأ الفرح القلوب، قلوب الناس التواقين للقاء ولي العهد، المشتاقين إليه شوق الأرض الظمأى إلى المطر. لقد عاد سلطان سالمًا غانمًا معافى، والوطن مثقل بهمين كبيرين عكرا صفوه، وكدرا عيشه، أولهما تلك الشوكة التي انغرست في خاصرته، بدخول الأفاقين المرتزقة إلى حدوده، وتدنيسها، والاعتداء على حرمتها وأهلها. والثاني ما أصاب جدة عروس البحر الأحمر من فيضانات وسيول، وما أزهقته من أرواح، وما دمرته ونهبته من أموال؛ فكانت عودته – حفظه الله – البلسم الشافي، والمرهم الصافي، لتلك الآلام والأحزان ؛ ليقف إلى جانب أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، ويعينه في هاتين الشّدتين اللتين أرقتا بال القيادة الحكيمة، وأفسدتا الفرحة بنجاح موسم الحج لهذا العام – بفضل الله - ؛ فجاءت عودته متزامنة مع مكرمة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بالتعويض لمصابي جدة وشهدائها، التي مسحت هموم الجداويين، وأزالت عنهم الحزن واليأس. وليس أدل على حرص سموه الكريم على الوقوف إلى جانب أخيه خادم الحرمين الشريفين، من قيامه يوم السبت، اليوم التالي لعودته الميمونة، بزيارة جرحى القوات المسلحة الذين أصيبوا في الحرب الدائرة مع المرتزقة المتسللين في جنوب المملكة، والمنومين في المستشفى العسكري بالرياض، فقد اطمأن سموه عليهم، وواساهم، ونقل إليهم اعتزاز القيادة وافتخارها بهم، وبما قدموه من تضحيات لدينهم ووطنهم. إن سلطان بن عبدالعزيز – رغم غيابه في رحلته العلاجية – لم يكن بعيدًا عن الوطن وآماله وآلامه؛ بل كان يعايش هموم الوطن والمواطنين أولاً بأول؛ لكن عودته الميمونة المباركة أعادت الدفء لقلب الوطن النابض بالحب والعرفان لسموه الكريم. إننا جميعًا ونحن نحتفي بسلطان الخير والعطاء، لا ننسى رمزًا آخر عظيمًا من رموز الوفاء والإخلاص، والحب والتفاني، إنه سلمان الوفاء، أمير منطقة الرياض المحبوب، سلمان البر والوفاء، سلمان الذي لازم أخاه سلطان على مدى 383 يومًا، لم يفارقه لحظة واحدة، فلازمه ملازمة العطاء للوفاء، والبر للإخاء؛ ليخفف عنه مصابه وآلامه، ويشاركه نجاحه وشفاءه، حتى منّ الله على سلطان بالشفاء، وأقر عيني سلمان برؤية أخيه سالمًا غانمًا. لم تكن فرحة الرياض خاصة بعودة سلطان لتعدلها إلا فرحتها بعودة سلمان، أميرها وفارسها؛ فغمرت الفرحة بمقدمهما قلوب أهل الرياض، رجالاً ونساءً شيبًا وشبانًا، كبارًا وصغارًا، ولم يكن ذلك إلا لأنهما بادلاهم حبًا بحب، وشوقًا بشوق؛ فاتصلت القلوب، وتآلفت النفوس على الحب الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم، والراعي بالرعية، علاقة قوامها الطاعة والوفاء من المحكوم، والعدل والإنصاف والاهتمام من الحاكم. وأخيرًا؛ فإن فرحة الوطن على امتداده واتساعه، بأهله وسكانه، ومائه وهوائه، وبره وبحره، تتمثل في فرحة الكرم والعطاء والبذل والسخاء؛ وهي الصفات التي تميز بها سلطان وامتاز، وفاق بها أقرانه أو كاد، حتى اقترن اسمه بالخير، فما ذكر سلطان إلا وانضاف إلى الخير، وما ذكر الخير إلا ذكر معه سلطان؛ فقد امتدت أعماله الخيرية حتى ملأت الوطن كله، وأصابت بفيوضها القاصي والداني، وما مؤسسة الأمير سلطان الخيرية إلا شاهد ودليل على ذلك؛ فيحق للخير أن يفخر بعودة سلطان، وأن يردد قول الشاعر: المجدُ عوفيَ إذْ عُوفيِتَ والكرمُ وزالَ عنكَ إلى أعدائِكَ الألمُ * نائب أمين مكتبة الملك فهد الوطنية